اعتاد لبنان أن يصدر للعالم العربي آخر صيحات الموضة العالمية على مستوى الأناقة والأزياء وأسلوب العيش، الروح اللبنانية ذات الأصول الفينيقية متوهجة وثَّابة تصبو للمغامرات التجارية واستقطاب كل ماهو جديد ومغرٍ ومدهش، يستجلب إعجاب الزبائن، وبالتالي يصنع من لبنان خشبة مسرح نشطة لا تمل من العروض المتوالية.
أبرز العروض المقدمة الآن لصيف لبنان هو عرض الحقائب الوزارية الثمينة، فالمواطن في لبنان كي يستطيع أن ينتخب رئيساً للجمهورية ظلت مشاهد الخطب والمزايدات شهوراً طويلة، وكانت تتراوح في حدتها بين خطاب ساخن إلى اقتحام مسلح، حتى اجتمع القوم في الدوحة، وقبلوا بتقسيم الكعكة أو تظاهروا بتقسيم الكعكة بشكل عادل، وسط جو درامي متصعد من الأهازيج والقبلات والأماني الطيبة والجيوب المتخمة، عندها كان عرض الحقائب الوزارية مبيتاً متوارياً وراء الكواليس يتأهب ليظهر في الوقت المناسب.
الذي يقرر أن يتابع الحالة اللبنانية يستعد لكومة من الخيبات وألوان متعددة من الصداع، وإحساس بالعبثية، لكن الإشكالية في الخليج تظهر عندما نعي بأننا لا نستطيع أن نتظاهر بأن الأمر غير موجود فقط لأننا أدرنا ظهرنا له، لأننا سرعان ما نكتشف بأنه وصل إلى تخومنا.
ليظل لبنان مسرح العالم العربي، أو لربما سبورة صغيرة تعرض لنا:
- ماذا يحدث عندما يغيب الإنسان كقيمة عظمى ويحل بدلاً منه قيمة الطائفة أوالمذهب أوالعشيرة.
- ماذا يحدث عندما تغيب ملامح الدولة الحديثة ومؤسساتها المستقلة، ويحل بدلاً منها أمراء الحرب وقبضايات الزعيم.
- ماذا يحدث عندما تتلاشى الشفافية وحرية الصحافة والكلمة المسؤولة، ويحل بدلا منها أبواق تلوث الفضاء الفكري بالزعيق والتطبيل والصفير للزعيم.
- ماذا يحدث عندما تستبدل لغة الحوار بلغة السيارات المفخخة.
- ماذا يحدث عندما نغيب قيم الوطن والوطنية، ونستبدلها بشعارات مستأجرة من الخارج، خاضعة للتيارات الإقليمية والدولية.
لبنان المسرح مع كل نشرة أخبار يقدم عروضه الصيفية الفاخرة، وليس للمشاهد سوى أن يتأمل ويندب مصير الإنسان كقيمة في العالم العربي.