كنا قد تناولنا في المقالة السابقة لجوء بعض شعراء المسابقات إلى التدرع ب(الممدوح) كحماية للنص وقلنا إن المديح الرديء هو بمثابة إساءة للممدوح وإساءة للشعر قبل أن تكون إساءة للشاعر ذاته انطلاقاً من المقولة العتيدة (كثر المديح مسبه) كما أن المديح (المغالي) مهما بلغ من الجودة فهو ينتقص من قيمة الشاعر والنصّ وكذلك الإطالة والإطناب لا تعنيان بالضرورة قوة الشاعرية لدى الشاعر بقدر ما تعني قوة النظم، وشتان بين هالة الشعر وسحره وبين دقة البناء وتماسكه بالرغم من أن هذين الشرطين يعتبران أساسيان في تكامل النص فنياً لأنّا إذا ما أزحنا الرؤية والعمق النفسي فإن القصيدة في حال (النظم) لا تعدو عن كونها هندسة جافة وغير نابضة قد يرى فيها البعض مشهداً جمالياً ولكنه بلا روح تقود إلى محاولة استكناه الرؤى واستشراف بعدها الذهني بالرغم من أن القصيدة الجيدة لا تخضع لإعمالات الذهن بقدر ما تستكين إلى حفيف الروح. ومن هنا يمكننا أن نلحظ ضآلة الشعرية في أغلب القصائد التي تنطلق من القنوات الفضائية؛ لأنها تتكئ في الأساس على الإيقاع الصارخ ومتانة الشكل والحركة التجسيدية التي لا تتعدى (المسرحة) الخاوية والتمثيل الفج والذي أصبح وللأسف الشديد يجتذب إحساس الجمهور بل ويسيطر عليه ليفجر فيه الاحتقان التعبيري وهو يشبه إلى حد ما (الطرطعان) من الألعاب النارية والذي يدهش لحظة الانفجار ولكنه لا يترك أثراً في النفس سوى الرعدة الأولى إزاء سماع الانفجار الضئيل، بينما القصيدة الحقيقية تشبه إلى حد ما القنبلة العنقودية التي تأتي على شكل صندوق حديدي مستطيل مليء بالقنابل الصغيرة ينفتح في الجو ويبعثر العنقود لينفرط أخيراً عن عبوات صغيرة تتشظى على الهدف وحوله ولمسافات شاسعة لتترك إصاباتها الكثيرة والعميقة التي لا تزول والتي تترك جروحاً عديدة لا تندمل لدى (المتلقي) وهو ما يسمى بشدة التأثر والتأثير.
أما القصيدة (الفرقعان) فهي لا تعدو عن كونها أثر (صائت) لا يلبث أن يتلاشى في الأسماع؛ لذلك فإن على الشعراء الشباب أن ينتبهوا للفرق بين الاثنين!!