قال أحد النحاة في رثاء علي بن عصفور النحويّ المشهور المتوفى سنة 663هـ: |
أسند النحو إلينا الدؤلي |
عن أمير المؤمنين البطل |
بدأ النحو عليٌ وكذا |
قل بحق ختم النحو علي |
أثنى نحوي على كتاب (الفوائد) لمحمد بن مالك المتوفى سنة 672هـ بقوله: |
إن الإمام جمال الدين فضَّله |
إلهه ولنشر العلم أهَّله |
أملى كتاباً له يسمى الفوائد لم |
يزل مفيداً لي لُبّ تأمَّله |
فكل مسألة في النحو يجمعها |
إنّ الفوائد جمع لا نظير له |
ورثا ابن مالك معاصره شرف الدين المضي بقوله: |
يا شتات الأسماء والأفعال |
بعد موت ابن مالك المفضال |
مصدراً كان للعلوم بإذن الله |
من غير شبهة ومحال |
يا لها سكتةً بهمز قضاء |
أورثت طول مدة الانفصال |
رفعوه في نعشه فانتصبنا |
نصب تمييز، كيف سير الجبال؟! |
صرفوه يا عظم ما فعلوه |
وهو عدل معرَّف بالجمال |
وقفوا عند قبره ساعة الدفن |
وقوفاً ضرورة الامتثال |
ومددنا الأكفَّ نطلب قصراً |
مسكناً للنزيل من ذي الجلال |
يا لسان الأعراب يا جامع |
الإعراب يا مفهماً لكلِّ مقال |
كم علوم بثثتها في أناس |
علموا ما بثثت عند الزوال |
أرغموه في التُّرْب من غير مثلٍ |
سالماً من تغير الانتقال |
|
قل لابن مالك إن جرت بك أدمعي |
حمراء يحكيها النجيع القاني |
فلقد جرحت القلب حين نعيت لي |
فتدفقت بدمائه أجفاني |
لكن يُهون ما أُجِنُّ من الأسى |
علمي بنقلته إلى رضوان |
قال صلاح الدين الصّفدي في رثاء أبي حيان الأندلسي المتوفى سنة 745هـ: |
يا عين جودي بالدموع التي |
يورى بها ما ضمه من ثرى |
واجري دماً فالخطب في شأنه |
قد اقتضى أكثر مما جرى |
مات إمام كان في علمه |
يرى إماماً والورى من ورا |
أمسى منادي للبلى مغرداً |
فضمه القبر على ما ترى |
يا أسفاً كان هُدى ظاهراً |
فعاد في تربته مضمرا |
وكان جمع الفضل في عصره |
صحَّ فلما أن قضى كسرا |
وعرِّ من الفضل به برهةً |
والآن لما أن مضى نُكرا |
لا أفعل التفضيل ما بينه |
وبين ما أعرفه في الورى |
لا بد لي من نعته بالتقى |
ففعله كان له مصدرا |
ما أعقد التسهيل من بعده |
فكم له من عثرة يسَّرا |
وجسَّر الناس على خوضه |
إن كان في النمو قد استبحرا |
وكان ثبتاً نقله حجة |
مثل ضياء الصبح إن أسفرا |
وشاعراً في نظمه مفلقاً |
كم حرَّر اللفظ وكم حبَّرا |
أفديه من ماض لأمر الردى |
مستقبلا من ربه بالقرا |
وخصه من ربه رحمةً |
نورده في حشره الكوثرا |
قال ابن ولاد المتوفى سنة 298هـ: |
إذا ما طلبت أخاً مخلصاً |
فهيهات منك الذي تطلب |
فكن بانفرادك ذا غبطة |
فما في زمانك من يصحب |
هجا الشاعر الرومي النحوي أبا الحسن الأخفش الصغير أو الأصفر المتوفى سنة 315هـ بقوله: |
قل لنحوّينا أبي حسنٍ |
إني حسام متى ضربت مضى |
وإنّ نبلي إذا هممت بأن |
أرمي فوَّقتها بجمر غضا |
لا تحسبن الهجاء يحفل بالرفع |
ولا خفض خافضٍ خفضا |
كأنّي بالشقي معتذراً |
إذا القوافي أذقْنه مضضا |
|
ألا قل لنحويك الأخفش |
أنست فأقصر ولا توحشِ |
وما كنت عن غيَّة مقصراً |
وأشلاء أملك لم تنبشِ |
لئن جئت ذا بشر مالكٍ |
لقد جئت ذا نسبٍ أبرشِ |
وما واحد جاء من أمه |
بأعجب من ناقد أخفشِ |
أسود جاءت به قردة |
سويداء غاوية المفرشِ |
أقول وقد جاءني أنه |
ينوش هجائي مع النوَّشِ |
إذا عكس الدهر أحكامه |
سطا أضعف القوم بالأبطشِ |
|
ذكر الأخفش القديم فقلنا |
إن للأخفش الحديث لفضلا |
زار الأخفش الأصفر يوماً رجل من أهل حلوان كان يكرمه فحين رآه الأخفش قال له: |
حياك ربك أيها الحلواني |
ووقاك ما يأتي من الأزمان |
وعرض الأخفش الصغير بعلي بن عيسى الوزير بقوله: |
هون عليك فإني غير جائيكا |
وإنني غير ماض في نواحيكا |
والله لو كانت الدنيا بزينتها |
وادٍ بكفك لم أحلل بواديكا |
ولو ملكت رقاب الناس كلهم |
شرقاً وغرباً لما جئنا نهنّيكا |
قال السخاوي المتوفى في 646هـ بعد أن نيف على التسعين: |
قالوا غداً نأتي ديار الحمى |
وينزل الركب بمغناهم |
وكل من كان مطيعاً لهم |
أصبح مسروراً بلقياهم |
قلت فلي ذنب فما حيلتي |
بأي وجه أتلقّاهم |
قالوا أليس العفو من شأنهم |
لاسيما عمن ترجّاهم |
كتب أحد تلاميذ بهاء الدين بن النحاس المتوفى 698هـ رسالة له يتشوق فيها إليه ويشكو له نحوله فقال: |
سلم على المولى البهاء وصف له |
شوقي إليه وإنني مملوكه |
أبداً يحركني إليه تشوقي |
جسمي به مشطوره منهوكه |
لكن نحلت لبعده فكأنني |
ألف وليس بممكن تحريكه |
وقال بهاء الدين بن النحاس: |
اليوم شيء وغداً مثله |
من نُخَب العلم التي تلتقط |
يحِّصل المرء بها حكمة |
وإنما السيل اجتماع النقط |
|
عداي لهم فضل علي ومنة |
فلا أذهب الرحمن عني الأعاديا |
هم بحثوا عن زلتي فأجتنبتها |
وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا |
|
سبق الدمع بالمسير المطايا |
إذ نوى من أحب عني نقله |
وأجاد السطور في صفحة الخد |
ولم لا يجيد وهو ابن مقله |
(ابن مقله يضرب بحسن خطه المثل). |
قال ابن هشام الأنصاري المتوفى سنة 761هـ: |
ومن يصطبر للعلم يظفر بنيله |
ومن يخطب الحسناء يصبر على البذل |
ومن لا يذل النفس في طلب العلا |
يسيراً يعش دهراً طويلاً أخا ذل |
|
سوء الحساب أن يؤاخذ الفتى |
بكل شيء في الحياة قد أتى |
ورثى ابن نباتة ابن هشام بقوله: |
سقى ابن هشام في الثرى نوء رحمة |
يجر على مثواه ذيل غمام |
سأروي له من سيرة المدح مسنداً |
فما زلت أروي سيرة ابن هشام |
|
تهن جمال الدين بالخلد إنني |
لفقدك عيشي ترحة ونكال |
فما لدروس غبت عنها طلاوة |
ولا لزمان لست فيه جمال |
قال ابن عقيل المتوفى 769هـ: |
قسماً (بما أوليتم) من فضلكم |
للعبد عند قوارع الأيام |
ما غاض ماء وداده وثنائه |
بل ضاعفته سحائب الإنعام |
قال ابن الصائغ المتوفى سنة 776هـ: |
لا تفخرن بما أوتيت من نعم |
على سواك وخف من مكر جبار |
فأنت في الأصل بالفخار مشتبه |
ما أسرع الكسر في الدنيا لفخار |
قال علاء الدين المقريزي: رأيت ابن الصائغ في النوم بعد موته فسألته ما فعل الله بك؟ فأنشد: |
الله يعفو عن المسيء إذا |
مات على توبة ويرحمه |
* أستاذ جامعي سابق |
|