سحبتْ يديها برفق من أسفل رأس طفلها الرضيع, لتضعه على وسادة أحلام الطفولة, التي لا تتعدى دُمية, وقطعة حلوى... رمقته بنظرة وهي تقرأ عليه تلاوة اليوم.. وتُنادي الطيور ل تصنع عرشه على أجنحة الغد الأصيل..
ليتك تعلم يا بني.. كم من المُر شربته قبل مجيئك بساعات طوال.. سنة سنتين ثلاث! - هكذا كانت تتحدث في سريرتها -, ثم انزوت جانباً تتربص الأوجاع سلة, وتتذكر الأفراح ميقاتاً...
لم أخرج من بيت أبي المكتظ حناناً لأسكن معه تحت سقف الكبرياء - هكذا كانت تتحدث مع طفلها الذي لا يسمعها - ولم أدع لحافي الذي لا يتعدى نهايات أقدامي لأجل استقطار الحلم الموعود بالشراشف الوثيرة!!؟ أتعلم يا طفلي بما هي وثيرة؟ وثيرة بحُطام حلم كبير, وشيء من قارورة مكسورة..!
كنتُ أستعد إلى ليلة يحضنني بها الدفء.. أبتاع فيها صكوك الرضى, لا كروت العناد لأحضر حفلة سطحية بأحد سطوح المنازل،، لم أتجرد من حُريتي الإنسانية لأكون أمة يُبعثرها سيدها داخل عنفوان السيادة العشوائية!, كلا ولم أستعد (نفسياً) لخوض معركة الرابح بها هو العملاق، والخاسر فيها يلثم الكبت, وأشباح الصمت!
ليتك معي تراني - وما زالت تُخاطب طفلها النائم - عندما خلعتُ جلباب الفردية واطلقتُ سراح الاستقلالية أذنتُ لنفسي بقنوع تام أن أرتدي مع أبيك الذي اخترته (أنا) ثوباً واحداً.. لا أن نتقاسم أطباق السفرة، أذنت لنفسي أن أحذو على أرض بيته حافية القدمين، لا أن أبتلع ألم الشوكة بين حين وحين، ك فقير الحظ بين أزقة البؤس.
ربما هو لا يعلم أني أحرقتُ كل أيامي السعيدة الماضية كي لا أُشاهد توقيع السعادة إلا من بين إصبعيه، وربما لا يعلم أني ودعتُ دون أسف كُل اللحظات الباسمة ل أتلذذ بعقودي معه لا غيره، وأني قتلتُ الكثير من الخلوات ليُشاركني بهيبته التي أنتظر هطولها على قلب طير يرتعد بين يديه زفناً لا خوفاً.
شعرتْ باختناق يكاد يلمع بدموعها.. ففتحت الشرفة وهي تتأمل أن تكون شرفة أمل, وقالت بتنهيدة طويلة: كنتُ أحلم بالحُب معك، ولكن لم تكن الرياح على هوى السفينة حينما علمتني الدرس الذي أدركته: (الحب ليس بالضرورة بعد الزواج، الضرورة تكمن في التفاهم).