Al Jazirah NewsPaper Wednesday  02/07/2008 G Issue 13061
الاربعاء 28 جمادىالآخرة 1429   العدد  13061
صناديق الاستثمار وبناء سجل المضاربات !
محمد سليمان العنقري

اعتمدت هيئة سوق المال السعودية نظام بناء سجل الأوامر للشركات التي تطرح بعلاوة إصدار منذ قرابة عام ونصف كحل منصف ومهني لتحديد مقدار العلاوة على أساس قدرة المؤسسات المالية لتحديدها من خلال قوائم الشركة المالية ومكررات الربحية والقيمة الدفترية، وبالفعل وجدنا أن جميع الشركات تطرح بمكررات ما بين 13 إلى 15 مرة على أبعد تقدير فيصبح السعر منطقيا ومقبولا، ولكن المشكلة تبدأ عند إدراج الشركة للتداول بالسوق الثانوية؛ فالمؤسسات المالية التي تدعى للمزاد الذي يديره مدير الاكتتاب تأخذ حصة من حجم الطرح غالبا ما تكون30 بالمائة على اعتبار أن هناك إقبالا من الجمهور تعطى من خلاله هذه المؤسسات الحد الأدنى، ومع كمية الطرح المحدودة على اعتبار أن أغلب الشركات هي برؤوس أموال صغيرة تتحول تلك الصناديق التابعة للمؤسسات المزايدة على الطرح إلى مضارب معتمد للسهم في أول يوم فقط، فيرتفع سعره بأكثر من 3 أضعاف ويصل إلى مكررات تفوق 50 مرة باليوم الأول، ويبقى متماسكا على أبعد تقدير ليومين إلى أن تتم عملية تصريف كامل الكمية بالسوق ثم يبدأ السقوط الحر لسعر السهم إلى أن يصل إلى مستويات قريبة من سعر الاكتتاب. حدث ذلك في شركة الأنابيب الفخارية حيث افتتحت بسعر فوق200 ريال ثم هوت إلى مستوى 70 ريالا وتبعتها بدجت والخليج للتدريب وأخيراً الكيميائية الأساسية التي وصلت إلى 120 ريالا ثم سقطت لمستوى 80 ريالا ويبدو المشوار في بدايته للوصول إلى مستويات أقل، خصوصا أن السوق اليوم ينظر باحترام إلى مكررات الربحية للشركات التي تملك نشاطا قائما ولو عللنا الأسباب التي جعلت الهيئة تقرر إدارة الاكتتابات للشركات القائمة والتي تطرح بعلاوة إصدار بهذا النهج نجد أن هناك هدفا آخر وهو تعزيز دور الصناديق من خلال مساعدتها على تحقيق أرباح سريعة تلفت أنظار المتعاملين مما يدعم إقبال الناس على الاستثمار من خلالها بغية تحقيق المشروع الأكبر لهيئة السوق وهو سيطرة الاستثمار المؤسسي بشكل تضبط به تحركات السوق, وهذا الاتجاه منطقي وصحي ويخدم السوق كثيرا ويقلص بشكل كبير عشوائية القرارات الفردية فيه، ويمنع حدة التذبذبات فيه ويضع الأسعار دائما في المستوى المقبول لها بأسلوب مهني، إلا أن الإشكالية الحقيقية برزت اليوم من عدة جوانب، فالصناديق اليوم وجدت متنفسا حقيقيا لتحقيق أرباح بأقل التكاليف خصوصا تلك التي لديها عدد مشتركين أكبر من غيرها؛ لأن نسب التخصيص تعطي الأولوية لمن لديه مشتركون أكثر، فحولت تلك الأسهم المحدودة الحجم إلى جمرة يتقاذفها صغار المتداولين بينهم من اليوم الأول، وتتسبب بخسائر كبيرة لهم عندما يهوي السعر من اليوم الثاني. وبذلك تقودنا تلك الفكرة للعودة إلى المربع الأول من حيث زيادة رقعة المضاربة، ولكن هذه المرة بقيادة جهات يفترض أنها تقود منهج الاستثمار بأسلوب مهني يخدم السوق بكل معطياته كما ينعكس هذا المنهج بسلبيات أخرى.

فصناديق الاستثمار يجب أن تكون موجودة بالسوق الثانوية وليس السوق الأولية حتى تبقى داعمة لاستقرار السوق ودعم الاتجاه الاستثماري به ولا تكون منافسا على الاكتتاب بشركات صغيرة بحيث يخصص للمكتتبين الأفراد كميات تصل إلى حد سهم للمكتتب مما يلغي الفائدة المترتبة من عملية الاكتتاب أصلا فقرة الصناديق على تحقيق مكاسب كبيرة من اليوم الأول جعلت من تركيزها على الاكتتاب بالطروحات الأولية أكثر جدوى من الاستثمار بالسوق إلى درجة أنها تقوم ببيع استثمارات لها بالسوق للدخول بعملية المزايدة على الاكتتابات مما ينعكس سلبا على السوق حيث إنها تبيع أصولا جيدة ذات تأثير حتى على المؤشر رغبة منها بالاكتتابات المطروحة لتعظيم العائد بشكل سريع حتى تجذب من خلال أرقام نسب النمو المتحققة أكبر عدد من المشتركين، ولكن يبقى الضحية موجود وهو المتداول الفرد وكذلك حالة التذبذب الحادة بالسوق عموما.

وإذا كانت الجهات المعنية باستقرار السوق وتعزيز الدور المؤسسي بإدارة الاستثمار به تهتم بالصناديق الاستثمارية وبيوت المال كصانع للسوق فعليها أن تدعمهم بأسلوب مختلف عن القائم حاليا فجميعنا يعلم أن الصناديق السيادية والمؤسسات الكبيرة كالتقاعد والتأمينات تستثمر في الأسواق الدولية عبر صناديق تابعة لمؤسسات مالية عالمية معروفة، فلماذا لا تقوم كبرى الجهات الاستثمارية بالدخول للسوق عبر الصناديق الاستثمارية خصوصا تلك التي تملك تاريخا قديما ولها باع طويل بالاستثمار فقرار من هذا النوع إذا ما طبق سيعظم الملاءة المالية بها وسيكون بمثابة دعاية مجانية لاستقطاب الأفراد لها مما سينعكس إيجابا على حجم الصناديق ودورها كصانع سوق يمنع العبث به ويبقي الأسعار بمستويات منطقية وعادلة تنعكس إيجابا على جاذبية الاستثمار للسوق مستقبلا، وتمنع أي أثر قد تخلقه الأموال الأجنبية التي ستدخل إلى سوقنا خلال السنوات القادمة عندما يتم فتح الباب لها بشكل موسع لها.

أما مسألة تحديد سعر عادل لأي طرح فيتم من خلال إقرار أنظمة تحمل الجهة المقيمة لسعر الطرح مسؤولية المبالغة بتسعيره ووضعها تحت طائلة المحاسبة من قبل المكتتبين إذا هبط السعر عند إدراجه عن مستوى التقييم مما سيجعلها أكثر دقة، بل ستقوم بوضع سعر يحميها من المساءلة القانونية والمستفيد بالنهاية السوق والمكتتبون الأفراد عامة.فصناديق الاستثمار يبلغ حجمها اليوم 35 مليار ريال، وبهذه الأرقام المتواضعة لا تشكل أكثر من 2 بالمائة من قيمة السوق المالية وبالتالي من الصعب عليها أن تمارس دورا ايجابيا أو تصل إلى مستوى الطموح لتكون صانع سوق للاستثمار الطويل بدلا من وضعها الحالي كمضارب مرخص يزيد من عمق مشكلة استقرار السوق بدلا من أن تكون جزءا من الحل.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد