في مثل هذا اليوم وتحديداً في السادس والعشرين من الشهر السادس من عام 1426هـ تقدمت جموع المواطنين من مختلف القطاعات والطوائف لمبايعة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمير سلطان بن عبد العزيز على السمع والطاعة تحت راية التوحيد،
وقدَّم هذا المجتمع صورة حية لقوة الترابط بين القيادة والمواطن، وسلاسة انتقال السلطة وفق منهج تحكمه القواعد الشرعية الثابتة باعتبار البيعة من أصول الدين بما تمثله من مصلحة للأمة وترسيخ للاستقرار والأمن.
وها نحن الآن نمر بالذكرى الثالثة لتولي خادم الحرمين الشريفين مقاليد الحكم في هذه البلاد المباركة، وعندما نتحدث عن هذه المناسبة إنما نتذكر تلك الجهود العظيمة التي بذلها - حفظه الله - في سبيل الإصلاح والإنماء.
نتحدث عن الرجل الإنسان الذي تتدفق مشاعره أنهاراً من الحب، وابتسامة لا تفارق محياه جعلته الرمز الكبير في قلوب أبنائه، نتحدث عنه كمسؤول حمل على عاتقه هموم البناء، فأنشأ الجامعات بمختلف تخصصاتها ليضع حداً لهجرة سكان المدن والقرى البعيدة، وفتح المجال واسعاً للبحث العلمي والدراسات العليا وسعى إلى تحديث المناهج، وأشرف على أكبر نهضة اقتصادية في المنطقة جاذبة للاستثمار.
وفي هذا العهد المبارك توالت القرارات الإصلاحية التي عاش المواطن خيراتها، ومن يستعرض تلك السنوات الثلاث يجد أنها مليئة بالعطاء المتوازن في العمل، وكما حملت الهم العربي والإسلامي حملت أيضاً هم البناء الداخلي، فقد تابع - حفظه الله - الهم الفلسطيني على أكثر من مسار فجمع أقطاب القضية الفلسطينية للاجتماع في بيت الله الحرام للإصلاح بينهم وتوحيد التوافق، كما كانت القمة العربية في الرياض للتأكيد على وحدة العرب، واستطاع في هذه الفترة وبجهوده الشخصية من استضافة خمس مفاوضات للسلام شملت كلاً من العراق، وفلسطين، والسودان، وتشاد، ولبنان، ثم جاءت مبادرة السلام الدولية التي أعلن عنها - حفظه الله - ولقيت تأييداً دولياً من مختلف دول العالم.
إن الإنسان المنصف يدرك أنه في الوقت الذي تتعثر فيه المنطقة بالحروب والصراعات، وتتراجع فيه الاقتصاديات، استطاع هذا القائد وفي فترة وجيزة أن يدشن مشروعات اقتصادية وتنموية عملاقة غير مسبوقة في المنطقة، كما استطاع - حفظه الله - أن يجمع وحدة هذا البلد وشعبه حول عهد إصلاح وتحديث بعيداً عن أي انقسامات، فأمر بتشكيل هيئة البيعة وتنظيم شؤون الحكم، وهي خطوات إصلاحية تطويرية مهمة تقوي أسس الحكم، وتجعل المواطن مطمئناً على مستقبل بلاده، كما بلغ اهتمامه بشعبه حرصه أن يكون قريباً منهم يتلمس حاجاتهم ويقف على أحوالهم، وما تلك الجولات المتواصلة لكل مناطق المملكة ومحافظاتها إلا دليل على هذا الحرص، فترسخت بينه وبين المواطنين عرى العلاقة والحب، واستحوذ على إعجاب جميع الفئات في زمن قياسي.
إن مراجعة سريعة لإنجازات هذه الفترة تجعلنا ندرك أننا أمام قائد لا يألو جهداً في نقل البلد نحو الأفضل، وتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية لمواطنيه، فبعد أن دشن في أول عهده مشروع (التعليم العام) بمراحله الست وبتكلفة (تسعة) مليارات ريال تبنى العام الماضي مشروع تطوير (نظام القضاء) بتكلفة (سبعة) مليارات ريال، وقام بوضع حجر الأساس لبعض المدن الاقتصادية الجديدة التي تشمل كلا من جدة، والمدينة المنورة، وحائل، وتبوك، ورابغ، وجازان، بشكل يستهدف إنعاش أجزاء كبيرة من مدن المملكة، وتوفير آلاف فرص العمل للجيل الشاب في مناطقهم، وقد سعد أهل المدينة المنورة قبل أيام قليلة باستضافة المنتدى العالمي لمدينة المعرفة الاقتصادية التي أمر - حفظه الله - بإنشائها في المدينة المنورة، ويبلغ حجم الاستثمارات في هذا المشروع الحيوي نحو (ثلاثين) مليار ريال سعودي كواحدة من أكبر المشروعات الاقتصادية التي تهدف إلى إحداث نقلة نوعية في النمو الاقتصادي للمنطقة، وكان - حفظه الله - قد اقر خطة التعليم العالي التي تهدف إلى فتح الجامعات الجديدة والمعاهد التقنية في أكثر من عشر مدن، لعل أبرزها جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا التي بدأ العمل في بنائها هذا العام كأبرز جامعة في المنطقة، إضافة إلى المشروعات الأخرى التي بدأت تظهر نتائجها على أرض الواقع، كمؤسسة الملك عبد الله بن عبد العزيز لوالديه للإسكان التنموي التي تنفذ عدداً من المشروعات الهادفة لإنشاء وحدات سكنية للأسر المحتاجة، وإصدار أكثر من نظام ولائحة لاستكمال متطلبات انضمام المملكة لعضوية منظمة التجارة العالمية، إضافة إلى عدد من المجالس الاقتصادية والتنموية التي تحظى بإشرافه الشخصي، وتبنيه للحوار الوطني الذي تشترك فيه كل الأطياف في هذا البلد، ثم مبادراته المتواصلة بتخفيض نفقات المعيشة على المواطنين، ومشروعه الساعي إلى إنشاء صندوق استثماري لذوي الدخل المحدود، ورفع مستوى خدمة الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية.
لقد أثبت خادم الحرمين الشريفين - أيده الله - وبشهادة الجميع أن البناء المدني والثقافي هو بداية الحضور في العالم المعاصر عندما أطلق ندائه الشهير (... لا يسعنا أن نبقى واقفين بينما يسير العالم) وقد تحقق ذلك بالفعل من خلال هذا التحول الجذري نحو البناء في إطار رؤية تخاطب المستقبل انطلاقاً من معرفة الحاضر والتفاعل مع معطياته في جو من الحوار المتسم بالصدق والشجاعة بعيداً عن الارتجال والانفعال العاطفي، حيث يعبر - حفظه الله - من خلال خطابه الرسمي والشعبي وإنجازاته المتواصلة بأن انشغال القيادة العليا بالقضايا الجوهرية إنما يهدف إلى بناء نهضة الأمة عبر السعي الحثيث للارتباط المتوازن ثقافياً وإنسانياً مع عالم لا يتوقف، وما رحلات العمل التي قام بها لمختلف دول العالم إلا جزء من تحقيق ذلك، حيث قدم صورة مشرقة لحرصه على بناء استراتيجيات العلاقة المتبادلة مع فعاليات العالم أجمع، مؤكداً وعي بلاده وقوة استجابتها لحقائق المتغيرات الحاسمة في توازنات القوى الاقتصادية والسياسية لتشكل تحريكاً متوازناً لبناء المصلحة الوطنية العليا، وبناء علاقات دولية متنوعة تعتمد على المصالح المتبادلة وليس التبعية.
وفي هذه الذكرى المباركة لا يسعنا أمام هذه الإنجازات المتوالية إلا أن نقول إن القيادة السعودية تسير - بحمد الله وفضله - في الاتجاه الصحيح، وإننا أمام هذه القفزات السريعة في البناء والتطوير مدعوون للمشاركة في مواجهة التحديات الضخمة، وأن البلد بحاجة إلى ترابطنا جميعاً للوقوف أمام تلك المعوقات التي تحد من قدرتنا على التقدم في مسيرة البناء والتطور مثل البطالة، والإرهاب، والفقر، وإذا كان ولاة الأمر - يحفظهم الله - واعين لهذه التحديات ومدركين لأبعادها فإن المواطن أيضاً مسؤول بشكل أكبر عن مستقبل بلاده والحفاظ على مكتسباتها.
إن الاحتفاء بهذا القائد سيتحقق من خلال رعاية مشروعاته واستثمارها كما ينبغي، ومن خلال الاجتهاد في العمل التطوعي ورعاية المحتاجين بيننا، وتقديم رسالة التسامح والشراكة مع العالم الخارجي، ومحاربة التطرف بجميع أشكاله وصوره، والوقوف ضد الفساد وضد الإرهاب، والعمل على إصلاح أنفسنا ومجتمعنا، ومتى حققنا ذلك نكون قد وفيَّنا لولي الأمر حقه، واستجبنا لتطلعاته وكرمناه كما ينبغي، وحفظنا له متطلبات وواجبات بيعتنا له، وهذا أعظم تكريم.
حفظ الله بلادنا من كل مكروه، وحفظ لنا قائد مسيرتنا وولي عهده الأمين، وأمد الله في عمرهما ليواصلا عطاءهما لوطنهما.
وبالله التوفيق.
أمير منطقة المدينة المنورة