الجزيرة - القسم السياسي
قام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- منذ بيعته في السادس والعشرين من جمادى الثاني عام 1426هـ بجولات خارجية ناجحة بكل المقاييس، عززت من علاقات المملكة الخارجية، ووثقتها خاصة بالدول الكبرى والمؤثرة في المجتمع الدولي، وفتحت أمامها آفاقا أوسع نحو علاقات إستراتيجية مع دول الشرق والغرب. فبعد تولي خادم الحرمين الشريفين الحكم بأشهر قليلة قام -حفظه الله- بجولة آسيوية شملت الصين والهند وماليزيا وباكستان، وفي السنة الثانية من عهده الميمون قام بجولة أوروبية شملت أسبانيا وفرنسا، وبولندا. وفي السنة الثالثة من حكمه قام بجولة خارجية شملت بريطانيا وإيطاليا وألمانيا وتركيا في إطار الجهود التي يبذلها - رعاه الله- لتطوير العلاقات الثنائية بين المملكة العربية السعودية وهذه الدول الصديقة والشقيقة وسبل تعزيزها في المجالات كافة إضافة إلى بحث القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك. وهذا عدا عن الزيارات الأخرى لبعض الدول تلبية لدعوات رسمية، ولحضور مؤتمرات دولية.
ولقد لاقت هذه الجولات اهتماما عالميا على المستويات السياسية والإعلامية والشعبية، لما للمملكة من حضور دولي كبير، وكلمة عالية مسموعة بحكم مكانتها الدينية والاقتصادية والسياسية الكبيرة.
بريطانيا وانطلاقة جديدة في العلاقات
وفي هذا الإطار يمكن الحديث عن جولته - حفظه الله- الأخيرة بتوسع بمناسبة الذكرى الثالثة لبيعته المباركة. فلقد استهلها بزيارة إلى المملكة المتحدة، وهي زيارة أتت بعد 20 عاماً من زيارة الملك فهد -رحمه الله- التي كانت آخر زيارة لملك سعودي لبريطانيا. تلك الزيارة وصفها وزير خارجية بريطانيا ديفيد ميليباند بأنها انطلاقة جديدة في العلاقات الراسخة بين المملكتين.
وقال إن دور الملك عبدالله بن عبدالعزيز والمملكة العربية السعودية في عملية الاستقرار وتحقيق العدل والسلام في الشرق الأوسط مهم جداً وأساسي.
وقال: إننا ننظر بأهمية لهذه الزيارة المهمة في توثيق العلاقات بين البلدين في جميع المجالات السياسية والاجتماعية, وهي فرصة كبيرة ومهمة للنقاش في الموضوعات ذات الاهتمام المشترك والعلاقات بين البلدين.
وفي السياق نفسه أكدت الحكومة البريطانية أهمية العلاقات الثنائية بين المملكة المتحدة والمملكة العربية السعودية والتي تعود إلى تاريخ طويل الأمد من الصداقة والتفاهم والتعاون المشترك. مشيرة إلى أن المملكة العربية السعودية شريك مهم لبريطانيا في منطقة الشرق الأوسط.
وقالت الحكومة عبر بيان لوزارة الخارجية البريطانية: (تجمع بريطانيا والسعودية علاقة نزيهة.. ولدى بريطانيا مصالح متلاحمة ومتلازمة مع المملكة العربية السعودية وبخاصة فيما يتعلق باقتصاد كل من البلدين والحرب على الإرهاب وتحقيق الاستقرار على المستويين الإقليمي والدولي).
وتابعت الحكومة قولها: إن السعودية مستمرة في كونها شريكاً حيوياً بالنسبة للمملكة المتحدة فيما يتعلق بجهودها العالمية لمكافحة الإرهاب.
وذهبت إلى أن مؤتمر الرياض حول مكافحة الإرهاب الذي عقد في شهر فبراير 2005م كان خطوة عملية مهمة من قبل السعودية لحشد المجتمع الدولي لقهر الإرهاب، وهذا يدل على التزام السعودية بهذه القضية.
وكان موقف المملكة العربية السعودية ضد الإرهاب واضحاً قبل الحادي عشر من سبتمبر. ومنذ ذلك الحين ضاعفت السعودية جهودها.
وذكرت حكومة لندن أن المملكة العربية السعودية تلعب دوراً بالغ الأهمية في المنطقة.
فقد كان إعلان بيروت لعام 2002م الصادر عن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله، الذي يُعرف بمبادرة السلام العربية، علامة بارزة ولا يزال مهماً بالنسبة للسعي للسلام. وقد تمت المصادقة على هذا الإعلان في مارس (آذار) 2007م في قمة الجامعة العربية في الرياض.
وحول الوضع في العراق أكد الحكومة البريطانية أن المملكة العربية السعودية حريصة على دعم العملية السياسية في العراق وحقن الدماء وأن تمثل الحكومة كافة أطياف الشعب العراقي من أجل الحفاظ على أمن العراق ووحدته وسيادته.
وجاء في بيان الحكومة البريطانية أيضاً أن المملكة العربية السعودية ظلت حريصة على الاستقرار في لبنان، كما حرصت على إيجاد الحلول السياسية للأزمة اللبنانية.
وقد تطرق الحكومة البريطانية للعلاقات التجارية بين المملكتين، وقالت: إن هناك نمواً تجارياً صحياً مستمراً في كلا الاتجاهين، وهناك شراكات تجارية آخذة في الازدهار. وقد شهدت الصادرات البريطانية للسعودية نمواً مطرداً عام 2006م. وبما يربو على 7 بلايين دولار أمريكي سنوياً، تكون السعودية أحد أكبر الأسواق للبضائع والخدمات البريطانية خارج نطاق منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD، وهذا الرقم لا يتضمن الصادرات البريطانية الضخمة عبر الإمارات العربية المتحدة التي قدرت بأكثر من بليون دولار أمريكي سنوياً. وتبلغ استثمارات المملكة المتحدة في الشراكات التجارية السعودية حالياً نحو 14 بليون دولار أمريكي سنوياً، بما في ذلك الاستثمار الضخم مؤخرا من قبل بنك HSBC، وشركة شل، وشركة أنظمة BAE وغيرها. وذكر البيان أن هناك 20.000 مواطن بريطاني يعيشون ويعملون في المملكة العربية السعودية، كما يزورها ما يربو على 100.000 مواطن بريطاني كل عام.
وواصلت الشخصيات البريطانية الترحيب بالملك عبدالله، ومن هؤلاء على سبيل المثال وزير الدولة البريطاني لشؤون التنمية الدولية أول وزير مسلم في بريطانيا شهيد مالك الذي أشاد بزيارة خادم الحرمين الشريفين لبريطانيا. وقال لا شك أن زيارة خادم الحرمين الشريفين تعزز العلاقات على كافة المستويات بما فيها الاقتصادية والتجارية والسياسية والثقافية، مشيداً بالمبادرة التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله لحل النزاع العربي الإسرائيلي ودفع عملية السلام في الشرق الأوسط، وقال إن بريطانيا تثمن هذه المبادرة الرامية إلى تحقيق سلام دائم وشامل في الشرق الأوسط.
من جهته أكد إقبال سكراني الأمين العام السابق للمجلس الإسلامي البريطاني الذي يضم تحت مظلته أكثر من 400 جمعية ومركز إسلامي أن زيارة خادم الحرمين الشريفين لبريطانيا حدث مهم لجميع المسلمين البريطانيين. وأن زيارة خادم الحرمين علامة مميزة في توطيد العلاقات القائمة بين بريطانيا والمملكة العربية السعودية في كافة المجالات وبيّن أن التسهيلات التي تقدمها حكومة المملكة العربية السعودية للحجاج والمعتمرين البريطانيين عند زيارتهم المملكة كبيرة ومميزة.
ولقد استعدت بريطانيا لاستقبال ضيفها الكبير على جميع المستويات حيث شكلت فرق في الجهات المعنية للترتيب للزيارة التاريخية، وتميزت الرتيبات بدقة متناهية في التنظيم والاستعداد وببروتوكولات غاية في القدم حيث تعود هذه البروتوكولات لمئات السنين وهي متوارثة من حيث الأهمية والدقة حتى أن الخيل التي رافقت العربة الملكية خضعت لتدريبات طويلة قبل الزيارة من حيث قربها وبعدها من العربة الملكية وغيرها من الإجراءات.
ولقد دعا خادم الحرمين الشريفين في زيارته التاريخية لبريطانيا إلى سلام حقيقي في الشرق الأوسط يقوم على أساس من العدالة ومن قرارات الشرعية الدولية، مؤكداً أن المملكة تمد يدها لكل الأصدقاء الراغبين في تحقيق السلام في الشرق الأوسط وفي بقية المناطق المتفجرة.
ولقد حققت زيارة خادم الحرمين الشريفين إلى بريطانيا ثماراً طيبة ونتائج مبهرة. فقد حل الضيف الكريم على الأراضي البريطانية حاملاً معه الرؤية العربية والإسلامية تجاه القضايا الدولية وهناك تباحث مع المسؤولين ورجال الدولة، كان واضحاً وصريحاً ومؤيداً للحق كعادته واستطاع بحنكته السياسية ومكانته الرفيعة لدى قادة العالم أن يحوز على إعجاب ساسة بريطانيا. وقد تركزت مباحثات خادم الحرمين حول القضايا الإقليمية والدولية الراهنة خصوصاً فيما يتعلق بالملفات المتوترة في الشرق الأوسط في العراق وفلسطين والخليج والمنطقة العربية والإسلامية ومكافحة الإرهاب إلى جانب العلاقات الثنائية بين البلدين.
وأكد المراقبون والخبراء أن زيارة الملك عبدالله لبريطانيا فتحت آفاقاً واسعة أمام الرؤية العربية حيال الملفات المتأزمة خصوصاً قضية السلام في الشرق الأوسط.
وقد تصدر خبر زيارته واجهة الإعلام البريطاني وأشادت كبريات الصحف البريطانية بالزيارة الناجحة التي قام بها خادم الحرمين لبلادهم، مؤكدة أن المليك كان واضحاً وصريحاً.
واختتم المليك زيارته لبريطانيا بمثل ما استقبل به من حفاوة وتكريم، ليبدأ زيارته إلى إيطاليا لتعزيز العلاقات السعودية الإيطالية ونقلها إلى آفاق أرحب.
العلاقات السعودية الإيطالية نحو آفاق أرحب
في إيطاليا دعا خادم الحرمين الشريفين إلى حوار حضاري يقضي على الأفكار الشريرة ويوحد عالماً خالياً من النزاعات ليعم السلام والاستقرار في العالم، وقال المليك في كلمته خلال حفل عشاء أقامه في قصر الكرونالي بروما الرئيس الإيطالي جورجيو نابوليتان تكريماً له -حفظه الله-: إن في كل حضارة جوانب مضيئة لو تمسك بها أبناؤها لما كان هناك احتمال للصدام مع الحضارات الأخرى. ولقد حان الوقت لنبدأ حواراً حضارياً يقضي على الأفكار الشريرة ويعيد للإنسانية الأمل في مستقبل مشرق بإذن الله. وفي لقاء تاريخي غير مسبوق عقد خادم الحرمين الشريفين اجتماعاً مع بابا الفاتيكان بنديكتوس السادس عشر بمقر البابوية في روما. وأكد خادم الحرمين والبابا خلال الاجتماع على أهمية الحوار بين الأديان والحضارات تعزيزاً للتسامح الذي تحث عليه جميع الأديان ونبذ العنف وتحقيق الأمن والسلام والاستقرار لشعوب العالم.
وأكد بيان للفاتيكان أن خادم الحرمين والبابا تبادلا الأفكار حول الشرق الأوسط وضرورة التوصل إلى حل عادل للنزاعات بالمنطقة وبخاصة النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني. وأهدى المليك للبابا مجسماً يصور قافلة جمال ونخيلاً يجسدان بيئة المملكة وسيفاً عربياً مذهباً، فيما قدم البابا للمليك ميدالية الفاتيكان ولوحة تاريخية.
يذكر أن المملكة ترتبط مع إيطاليا بعلاقات وثيقة ومتميزة تعود إلى عام 1932م حينما بادرت إيطاليا لتكون من أوائل الدول التي أقامت علاقات دبلوماسية مع المملكة العربية السعودية وفتحت قنصلية إيطالية في جدة. وفي عام 1933م تم توقيع اتفاقية للتعاون بين البلدين. وتواصلت منذ تلك الفترة مسيرة العلاقات السياسية والحوار بين قيادتي البلدين الصديقين على أعلى المستويات من خلال الزيارات المتبادلة واللقاءات بين المسؤولين في البلدين لتدعيم العلاقات بينهما في المجالات كافة.
وتأتي في ذلك الإطار الزيارة التي قام بها لإيطاليا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود عندما كان ولياً للعهد في شهر صفر من عام 1420هـ الموافق شهر مايو 1999م حيث التقى حفظه الله بفخامة رئيس جمهورية إيطاليا (آنذاك) كارلو انزيليو تشامبي في قصر الكويرينا في روما كما عقد محادثات رسمية مع دولة رئيس الوزراء ماسيمو داليما والتقى بمعالي رئيس مجلس النواب لوتشانو فيولانته.
وقد اتسمت تلك المباحثات بالوضوح وروح التعاون وتناولت جملة من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك بين البلدين ووفرت للجانبين فرصة طيبة لاستعراض العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية والدولية، وتم التأكيد خلال المباحثات على قوة العلاقات التاريخية التي تربط البلدين الصديقين في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية والإشادة بالمستوى المتميز لها ودورها الإيجابي وانعكاساتها المثمرة على الدولتين والشعبين الصديقين، وتدل العلاقات الاقتصادية بين البلدين الصديقين على قوة ومتانة التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين البلدين وبخاصة في الوقت الراهن.
وتعد إيطاليا من أكبر الشركاء التجاريين للمملكة حيث بلغت قيمة واردات المملكة مليارين و600 مليون دولار عام 2006م متبوئة المرتبة السادسة في قائمة أكبر الدول التي تستورد منها المملكة كما بلغت قيمة الصادرات السعودية إلى إيطاليا خمسة مليارات و300 مليون دولار في العام نفسه متبوئة المرتبة التاسعة بين أكبر الدول التي تصدر لها المملكة.
وبلغت الاستثمارات السعودية الإيطالية المشتركة المرخص لها والمقامة في المملكة نحو 33 مشروعاً بلغت رؤوس أموالها نحو 186 مليون دولار مثلت حصة الشريك الإيطالي فيها ما نسبته 50.3 في المائة. وفي مايو عام 2006م تأسس مجلس الأعمال السعودي الإيطالي بهدف تطوير العلاقات الاقتصادية والتعريف بالمناخ الاستثماري بين البلدين وكذا تشجيع رجال الأعمال من البلدين على إقامة مشروعات مشتركة كما يعمل المجلس على ترتيب الزيارات لرجال الأعمال بين البلدين.
وفي إطار التعاون الدفاعي والأمني بين البلدين الصديقين تم التوقيع في محرم عام 1426هـ خلال زيارة وزير الداخلية الإيطالي للمملكة على اتفاقية أمنية. أما ما يتعلق بالتعاون الدفاعي فقد تم خلال زيارة وزير الدفاع الإيطالي للمملكة في شهر شوال 1413هـ الموافق فبراير 1993م توقيع اتفاقية التعاون الإطارية بين المملكة وإيطاليا في المجالات العسكرية والصناعية والأبحاث والتقنية، كما أنه في مجال التعاون العلمي والثقافي تأتي مدرسة الملك عبدالعزيز السعودية في روما التي افتتحت في شهر رجب عام 1423هـ الموافق سبتمبر 2002م تعبيراً عن الاهتمام والرعاية التي توليها حكومة خادم الحرمين الشريفين لأبناء المملكة العاملين والدارسين في الخارج إضافة إلى أبناء الجاليات العربية والإسلامية هناك.
ويدرس في إيطاليا الكثير من الطلبة السعوديين المبتعثين بالإضافة إلى وجود عدد من الأساتذة الإيطاليين يعملون في بعض الجامعات السعودية.
وبعد أن ختم المليك زيارته لإيطاليا توجه حفظه الله إلى ألمانيا (محطته الثالثة في جولته الأوروبية).
ألمانيا وعقود من الصداقة
في إشارة للأهمية الكبيرة التي تتمتع بها المملكة العربية السعودية كانت المستشارة أنجيلا ميركل بنفسها في المطار للترحيب بخادم الحرمين الشريفين لحظة وصوله ألمانيا حيث أقامت حفل غداء تكريماً لخادم الحرمين والذي أكد من خلاله -حفظه الله- أن الأوضاع المتفجرة في منطقة الشرق الأوسط وإخلاءها من أسلحة الدمار الشامل وزيادة التعاون الدولي لمواجهة الإرهاب ستسهم في ترسيخ الأمن.
وقد أشاد القادة الألمان بخادم الحرمين الشريفين وبسياسات المملكة الخارجية، فمن جهته قال الرئيس هورست كولر رئيس جمهورية ألمانيا الاتحادية في حفل عشاء أقامه على شرف المليك:
(إن العلاقات بين ألمانيا والمملكة العربية السعودية تعود إلى قرابة ثمانية عقود اتسمت خلالها بروح طيبة ووثيقة. وقد سبق أن أبرمت في عام 1929م أي حتى قبل تأسيس المملكة العربية السعودية معاهدة صداقة بين الرايخ الألماني ومملكة الحجاز ونجد وملحقاتها).
وأضاف يقول: (تشكل المملكة العربية السعودية اليوم أحد أهم الشركاء التجاريين لألمانيا في العالم العربي. فالعلاقات الاقتصادية تزدهر بين بلدينا، كما أن التجارة بينهما تحقق نمواً عالياً عاماً بعد عام. هذا وهناك أكثر بكثير من 200 شركة ألمانية تنشط في المملكة العربية السعودية. إن من مدعاة البهجة لدي على نحو خاص كون بلدينا يكرسان منذ بضعة أعوام تعاونا فيما بينهما وبصورة متزايدة في قطاعي التعليم والعلم أيضاً. من الأمثلة المتميزة لذلك تقديم المملكة العربية السعودية لطلابها منحاً بغرض الدراسة الجامعية في ألمانيا. إن من شأن التعاون الوثيق في قطاعي التعليم والعلم أن يخدم مصالح كلا البلدين. وإنني على يقين من أن توثيق عرى التبادل الثقافي بين بلدينا سوف يأتي متزامناً مع هذا التعاون).
وقال فخامته: (لقد دلت التحولات التي وقعت في المملكة العربية السعودية في ظل قيادتكم الحكيمة، يا خادم الحرمين الشريفين، على أنكم تتعاملون من موقع مواجهة التحديات التي يفرضها المستقبل. وإني لأود أن أقدم لكم يد التأييد والتشجيع بصدد متابعتكم للجهود المتشعبة الرامية إلى مواصلة النهوض بالحوار داخل صفوف المجتمع والانفتاح أو في سياق ما سبق لكم أن أطلقتم عليه تسمية خدمة (المواطن دون تفرقة). لقد عمدتم في إطار (المركز الوطني للحوار) الذي قمتم بإنشائه إلى الدفع قدماً بعدة مشاريع إصلاحية مهمة تم من خلالها مراعاة الاحتياجات ذات العلاقة بالشباب والنساء. وإني أتابع شخصياً وباهتمام خاص الحملة التعليمية التي بادرتم بالإعلان عنها. ومن مدعاة تقديري البالغ كون عدد جامعات بلادكم قد ازداد في غضون السنوات الثلاث الماضية أكثر من الضعف. هذا وتحدوني القناعة بعدم وجود بديل مبني على روح العقل في القرن الحادي والعشرين لكل من التعليم والانفتاح نحو العالم والاحترام المتبادل بين الثقافات).
وعبر الرئيس كولر عن فرحته بوجود خادم الحرمين الشريفين في ألمانيا وقال: (إني لأعقد الأمل على أن تخلق زيارتكم هذه حوافز جديدة أخرى للتعاون المبني على الشراكة بين المملكة العربية السعودية وألمانيا. كما أنني أتطلع ببهجة للمحادثات الطيبة التي سنجريها معكم).
ومن رحبت قالت مستشارة جمهورية ألمانيا الاتحادية أنجيلا ميركل فيها بخادم الحرمين الشريفين في ألمانيا وعبرت عن سرورها باستقبال الملك المفدى بعد أن تشرفت بزيارة المملكة في وقت سابق منوهة بما وجدته من حفاوة خلال تلك الزيارة.
وقالت (نحن على يقين أن العلاقات القائمة بين بلدينا حتى الآن لم تستنفد كل الإمكانات الكامنة في هذه العلاقات بين المملكة العربية السعودية وجمهورية ألمانيا الاتحادية ولذلك فإننا نرى في أن تكون هذه الزيارة يا خادم الحرمين الشريفين مؤشراً وانطلاقة إلى تعميق وتعزيز هذه العلاقة. وهذا ينطبق على الجانب الأمني وأيضا العلاقات الخارجية. كما ينطبق على العلاقات الاقتصادية بين البلدين وينطبق كذلك على مجال العلم والثقافة.
وأضافت دولتها تقول (وفي خلال انتقالنا من أرض المطار إلى هذا المكان في المستشارية استعرضنا أيضا شتى المسائل التي تشغل بالنا حاليا في العالم. ونحن نعلم يا خادم الحرمين الشريفين أنكم تكرسون جهودكم لحل النزاعات بالطرق السلمية ولذلك فإننا نود أن نتعاون معكم في هذا الطريق لحل كل المشاكل بالطرق السلمية وهذا لا ينطبق فقط على منطقتكم بل وعلى العالم كله).
وأردفت مستشارة ألمانيا قائلة (إنني في الحقيقة يا خادم الحرمين الشريفين أعرف أنكم بهذا الدور تقومون بتوطيد العلاقات وتحسينها بين البلدان كلها وهذا الدور يتمثل في أن كلمتكم مسموعة في العالم في هذا المجال وقد تابعنا باهتمام كبير أيضا لقاءكم مع البابا في روما الذي كان لقاءً مثمراً كما نعلم أنكم تؤيدون دائما الحوار بين الديانات لحل كل المشاكل والمسائل).
واختتمت دولتها كلمتها قائلة (إننا نتمنى لكم في المملكة العربية السعودية مستقبلاً باهراً ملؤه السعادة والنجاح والتوفيق).
وقد واصل خادم الحرمين الشريفين جولته الأوروبية فوصل تركيا محطته الرابعة والأخيرة بعد أن اختتم زيارته إلى ألمانيا.
زيارة تاريخية إلى الشقيقة تركيا
عقد خادم الحرمين مع الرئيس التركي عبدالله غل بالقصر الجمهوري ورئيس الحكومة رجب طيب أردوغان في أنقرة مباحثات مهمة حول قضايا المنطقة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
وكانت وجهات نظر البلدين الشقيقين إزاء مسائل الشرق الأوسط خصوصا العراق والقضية الفلسطينية ليست متطابقة فحسب بل متكاملة. وأكدت تركيا أن زيارة خادم الحرمين لتركيا لها دلالاتها الخاصة لجهة إقرار الأمن والاستقرار في العراق، ولحماية وحدة هذه البلد.
وأكد خادم الحرمين الشريفين في أول جلسة لمجلس الوزراء بعد عودته من جولته الأوروبية أن المشاورات والمباحثات التي جرت مع قادة وكبار مسئولي تلك الدول الصديقة والشقيقة وما لمسه من تجاوب وتفهم للقضايا المطروحة في كل المجالات من تلك القيادات جسد عظم حجم المكانة والتقدير والاحترام الذي تحظى به المملكة العربية السعودية ودورها الرائد على الصعد العربية والإقليمية والدولية.
وأشار -حفظه الله- إلى أن النهج المعتدل والواضح للمملكة العربية السعودية في سياستها عزز ثقة الأصدقاء والأشقاء ووطد علاقاتها وزاد من أواصرها ودفعها إلى الأمام.
وأبدى خادم الحرمين الشريفين تطلعه إلى أن تسهم تلك الزيارات في العمل الجاد نحو تحقيق السلام الشامل والعادل القائم على مبادئ الإنصاف وقرارات الشرعية الدولية والذي يحفظ لجميع الأطراف حقوقها.