الجزيرة - أحمد أباالخيل
المتابع لسياسات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الداخلية والخارجية يرى أن هذا الملك المعطاء يحمل مشروعاً طموحاً لجعل هذا العالم أكثر أمناً واستقراراً، وفق مبادئ خيرة يستلهمها من الدين الإسلامي الحنيف, وقد حث العالم أجمع على أن يتمسكوا بمبادئ الأديان السماوية التي تدعو إلى الخير فقال ذات مرة (كل الأديان السماوية تحث على الإحسان إلى الآخرين ولو تمسك أصحابها بمبادئ دياناتهم وما أمر به الله - جل جلاله - فسوف يكون العالم خالياً من النزاعات، وعم السلام والاستقرار في العالم أجمع). كما أكد في إحدى كلماته (إنني أؤمن أن الرب عز وجل منح الإنسان من الحكمة ما يجعله قادراً على التفرقة بين الخير والشر، وبين التطرف والاعتدال). فاتباع ما أمر الله به كفيل بأن يجعل عالمنا أكثر سعادة وأمناً.
إن الملك عبدالله بن عبدالعزيز في سياساته في التعامل مع الآخرين يحرص على بناء الثقة في القلوب ومدِّ جسور التواصل مع الآخرين عبر إعطاء مساحات أوسع لمبادئ الحوار والانفتاح. كذلك فإن الملك عبدالله يسعى إلى تحقيق مبدأ التعاون الدولي في مواجهة الظواهر الخطيرة التي تحيط بالمجتمعات البشرية، كظاهرة الإرهاب إذ يرى بأن مواجهتها بدون تكاتف عالمي يظل قاصراً، وضعيفاً. ومن المبادئ التي يحرص عليها المليك مبدأ العدل والإنصاف في التعامل مع حقوق الشعوب، فالمليك يرى أن اختلال الموازين وتعدد المعايير يعملان على استمرار هذه الأزمات، إن لم تعمل على تفاقمها.
هذه المبادئ السياسية العظيمة وغيرها يمكن استجلاؤها عبر متابعة أحاديث المليك في المناسبات المختلفة، وفي حواراته مع مختلف وسائل الإعلام العالمية التي تحرص على مقابلته، والتعرف أكثر على فكره الحضاري العميق. ومن خلال القرارات السياسية التي يتخذها لمعالجة القضايا الإقليمية والدولية المختلفة.
ففيما يتعلق بمبدأ التسامح والانفتاح على الآخرين والحوار معهم نجد أن الملك عبدالله بن عبدالعزيز أكد في غير مرة على ضرورة التحاور مع الآخر من أجل تصحيح الكثير من المفاهيم المغلوطة المتبادلة بين الدول والشعوب. ويمكن القول إن خادم الحرمين الشريفين قد حرص على أن يطبق هذا المفهوم في داخل المملكة أولاً، ومن ثم تطبيقه مع الآخرين، وما الحوارات الوطنية التي تجرى كل عام وفي كل منطقة لتعالج هموم الوطن والمواطن في جو من الود والحرية إلا دليل واضح وجلي على ذلك. وتتسع دائرة الحوار لتشمل الآخرين خارج المملكة، والجميع يتذكر مبادرة الملك العظيمة واقتراحه الذي يسجله التاريخ له بأحرف من ذهب لإجراء حوار بين أتباع الديانات السماوية، والذي لاقى ترحيباً دولياً كبيراً لما للحوار من أثر فعال في التقريب بين وجهات النظر وحل كثير من المسائل الشائكة.
ويمكن الاستشهاد ببعض أقواله - حفظه الله- في عدد من المناسبات السياسية فيما يخص الحوار وتفعيله دولياً. فعلى سبيل المثال، وفي زيارته إلى إيطاليا في جولته الأوروبية الأخيرة، قال الملك عبدالله: (إن في كل حضارة جوانبَ مضيئةً لو تمسك بها أبناؤها لما كان هناك احتمالٌ للصدام مع الحضارات الأخرى. ولقد حان الوقت لنبدأ حواراً حضارياً يقضي على الأفكار الشريرة ويعيد للإنسانية الأمل في مستقبل مُشرق). فالملك عبدالله يرفض فكرة صدام الحضارات التي تبشر بالصراع بين الشعوب، ويتمسك بفكرة الحوار الهادف والبناء من أجل القضاء على كثير من التعميمات الخاطئة والذي يتسبب في تكوينها التعصب والكراهية.
كذلك قال المليك للمشاركين في منتدى الحضارات بين اليابان والعالم الإسلامي (كنت أفكر منذ سنتين أن جميع البشرية في وقتنا الحاضر في أزمة، أزمة أخلت بموازين العقل والأخلاق والإنسانية، ولهذا فكرت وعرضت تفكيري على علمائنا في المملكة العربية السعودية لأخذ الضوء الأخضر منهم،، ولله الحمد - وافقوا على ذلك والفكرة أن أطلب من جميع الأديان السماوية الاجتماع مع إخوانهم في إيمان وإخلاص لكل الأديان لأننا نحن نتجه إلى رب واحد). ولقد شهدت مكة المكرمة مؤتمراً لمناقشة الحوار وتأصيله من الناحية الشرعية تلبية لمبادرة المليك، وخرجت بتوصيات مهمة من أبرزها إنشاء مركز الملك عبدالله الدولي للتواصل بين الحضارات وجائزة الملك عبدالله للحوار.
ومن المبادئ السياسية المهمة التي يمكن استشفافها من أحاديث المليك مبدأ العدالة، فالأزمات الدولية تنشأ بسبب الاعتداء من قبل طرف على آخر، وتستمر بعض هذه الأزمات لغياب العدل والإنصاف في التعامل معها، وبسبب الانحياز لطرف ضد آخر على حسب الحقوق المشروعة. قال المليك في إحدى كلماته: (كل نزاع مهما بدا معقداً يمكن حله إذا عالجناه بروح العدالة والإنصاف). ولذلك فإن الملك عبدالله يؤكد على مسألة الحقوق، ووجوب أن تكون في أيد أصحابها، لا منة ولا تفضلا من أحد إلا من الله تعالى، وبدون عودة الحقوق لأصحابها فلن تنعم البشرية بسلام. أجاب مرة على سؤال ل(بي بي سي) البريطانية حول القضية الفلسطينية بتأكيده على ضرورة (إنهاء المأساة التي يعاني منها أشقاؤنا الفلسطينيون عن طريق سلام حقيقي يصون حقوق كل الأطراف ويقوم على أساس من العدالة ومن قرارات الشرعية الدولية). وحول التسويات التي من الممكن القيام بها مع إسرائيل بقوله: (التنازلات لا نريدها نحن أصحاب حق نطالب بحقوقنا). وحول حقوق اللاجئين الفلسطينيين قال المليك: (كل إنسان لا بد من رجوعه إلى وطنه وخصوصاً هؤلاء المظلومين الذين سجنوا، لا بد لهم من الرجوع إلى أوطانهم). لأن من أهم حقوق الإنسان أن يعيش في وطنه معززاً مكرماً. وتطبيق مبدأ العدل في المجتمع الدولي يكفل لكل صاحب حق أن ينال حقه، وبالتالي تحل الأزمات الدولية، وتنتهي معاناة المظلومين، أما تطبيق المعايير المزدوجة، والتحيز لطرف دون آخر فإنه يفاقم من الأزمات ويهدد الاستقرار الدولي. ولذلك أكد خادم الحرمين الشريفين - رعاه الله- في جلسة مجلس الوزراء عقب جولته الأوروبية على (أن مؤشرات الحرب والصراعات والمخاطر المتزايدة يمكن معالجتها بروح العدالة والإنصاف).
المبدأ الثالث الذي نستشفه من بعض حوارات الملك وخطبه السياسية مبدأ التعاون الدولي من أجل معالجة مختلف الظواهر وعلى رأسها الإرهاب. فالملك عبدالله أكد على أن محاربة الإرهاب تتطلب تكثيف التعاون الدولي، لأن الإرهاب لن ينتهي بين عشية وضحايا وإنما سيستمر لعقود. قال الملك في حوار مع وسيلة إعلامية (قلت منذ البداية إن محاربة الإرهاب ستمتد من عشرين إلى ثلاثين سنة.. والإرهاب لا بد أن يحارب من كل الدول ونحن عقدنا المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب في الرياض وحضرته أغلب الدول وطلبنا منهم أن ينشأ مركز لجميع دول العالم لكي يجتمعوا فيه، والمعلومة إذا جاءت من أي بلد تأتي إلى هذا المركز.. وتكون للعالم كله؛ لأن مكافحة الإرهاب تعتمد على المعلومة والمهم هو المعلومة، وكلهم قبلوا ووافقوا ولكن مع عدم التنفيذ.. فلم نر شيئاً). فهذه الظاهرة بحاجة إلى تعاون دولي مستمر عبر العلاقات الثنائية والتحالفات الدولية والمنظمات العالمية. وهذا ما أكده المليك في كلمته في مؤتمر حول الإرهاب عقد بالرياض عام 2005 (إن أملي كبير في أن هذا المؤتمر سوف يبدأ صفحة جديدة من التعاون الدولي الفعال لإنشاء مجتمع دولي خالٍ من الإرهاب).، والظواهر التي تهدد البشرية عديدة، منها: اختلال الأمن الغذائي وارتفاع الأسعار في العالم، والكوارث الطبيعية.
ولا يقف التعاون عند حدود مجابهة الكوارث والظواهر الخطيرة، وإنما تتجاوزها لتحقيق المشاركة الجماعية من أجل حياة أفضل. ففي حديث لصحيفة فرانكفورتر الجماينة الألمانية قال الملك عبدالله (أعتقد أن عصر العولمة الذي نعيشه الآن استطاع أن يلغي جميع الحدود السياسية والاقتصادية والثقافية بين جميع دول العالم, وبتنا كأسرة دولية نعيش في عالم يتجاوز في مفاهيمه الحدود الجغرافية, ويؤثر ويتأثر بعضه البعض مهما تباعدت المسافات وتعددت الثقافات. وهو الأمر الذي أضحى يستوجب منا تعزيز التعاون المشترك لتحقيق التنمية البشرية التي تظل هدفنا جميعاً, والعرب مؤهلون دون شك بما لديهم من مخزون حضاري, وثقافة عريقة, وإمكانات بشرية ومادية لأن تكون مشاركتهم وإسهامهم في عالم القرن الواحد والعشرين مشاركة وإسهاماً محسوساً وهاماً وأساسياً).
وعلى الرغم من مبادئ الملك الإنسانية وإنجازاته التاريخية المتواصلة يظل المليك في نقد مستمر لذاته لعظم المسؤولية التي يحملها على عاتقه وهي خدمة هذا الدين العظيم. ولا ننسى كلمات الملك عبدالله الشهيرة تحت قبة مجلس الشورى (يشهد الله تعالى أنني ما ترددت يوماً في توجيه النقد الصادق لنفسي إلى حد القسوة المرهقة كل ذلك خشية من أمانة أحملها هي قدري وهي مسؤوليتي أمام الله - جل جلاله - ولكن رحمته تعالى واسعة فمنها أستمد العزم على رؤية نفسي وأعماقها. تلك النفس القادرة على توجيه النقد العنيف الهادف قادرة - بإذن الله - أن تجعل من ذلك قوة تسقط باطلاً وتعلي حقاً).