مازال البسطاء من العامة ومن ذوي أصحاب الفطرة الدينية النقية التي لم تخالطها الشعارات السياسية أو الأيدلوجية هدفا سمينا يسعى إليه أصحاب المنظمات الإرهابية (أو من يسميهم الإعلام الرسمي بالفئة الضالة).
ففي حيثيات البيان الذي صدر عن وزارة الداخلية الأسبوع الماضي بعد إنجازها الوطني المشرف, برزت لنا بعض التفاصيل الغريبة التي تشير إلى أن جمع الأموال الممولة لتلك الجماعات كان يتم عبر غطاء الأعمال الخيرية ومؤسسات وهمية لأصحاب مجهولين.
وأعتقد بأن هذا الأمر مازال يمثل الإشكالية الأولى التي يواجهها المجتمع المحلي والعربي في صراعه مع الفكر الظلامي و المنظمات الإرهابية.
فالمؤسسات الأمنية الرسمية على الرغم من كونها أحكمت قبضتها على أموال العمل الخيري, وطالبت المؤسسات الخيرية بالشفافية الكاملة التي توضح مصادر التمويل والمواضع التي يصب فيها المال، إلا أن بعض المنظمات الإرهابية استطاعت التفلت من تلك الرقابة، واستمرت تعمل في الخفاء، لأنها ببساطة قادرة على أن تحصل على غطاء شعبي من البسطاء والعامة يخولها التحرك بيسر وسهولة.
ومازال الستار الديني لدى شعوب ذات عاطفة دينية جياشة قادراً على أن يجير ويستثمر ويدار بشكل سري خفي لمآرب خاصة.وباعتقادي أن هذا هو السبب الرئيس الذي يجعلنا نتوقع أن حربنا على الإرهاب ستكون طويلة ومضنية وتحتوي الكثير من المنعطفات الحرجة، لاسيما أن دولتنا اختارت أن تكون الحرب بيضاء بالحد الأدنى من الدماء؛ فالمنظمات الإرهابية، كما بات الجميع يعرف، تنطلق من فكر تكفيري متشدد له جذوره ومنظروه وشخصياته النجومية، فنجد تلك الشخصيات بعد المواجهات الأمنية أو العمليات الاستباقية التي تقوم بها المؤسسة الأمنية، منقذة البلاد والعباد من خطر ماحق، ينخفض صوتها حتى يكاد يتلاشى ويعيش الصوت في حالة كمون مترقب، حتى تتلاشى تلك العملية من ذاكرة الناس، ومن ثم سرعان ما نجدهم يعاودون الظهور عبر فتاوى تكفيرية متشددة، أو عبر التوقيع على بيانات محملة بروح الكراهية والتعصب، أو عن طريق مداهمة أحد المشاريع الحضارية التنويرية التي تسعى لها الدولة في مشروعها المدني. وهي بالتحديد العلاقة التي لم تنبت بين منظري تلك الفئة وأدمغة العامة والتي ظل هذا الفكر يسعى إلى استثمارها وتجييرها لجمع الأتباع والأموال.
وكما أسلفت ستكون مواجهة طويلة، بل مشروع وطني متعدد الأوجه والتجليات، فتلك التيارات لابد أن تواجه بالمزيد من الضوء والفعل التنويري الذي ينجو بالبسطاء والعامة من التحول إلى وسيلة أو ألعوبة ساذجة في أيد خفية.
لابد أن تحاصر تلك التيارات بالفكر المستنير المنطلق من التكليف الإلهي للبشر بإعمار الكون، الفكر القادر على أن احترام إنسانية البشر وتعدديتهم واختلافهم، من ثم التعايش معهم، الفكر الساعي إلى إعمال العقل ونبذ التطرف والإرهاب بجميع تجلياته.