متابعة وتصوير - عبدالله الحصان
(تأمين.. تأمين)، كلمة ينادي بها الأطفال لبيع وثائق تأمين المركبات أمام أقسام المرور بالرياض في صورة أعادت إلى الأذهان التجربة السلبية لتأمين الرخصة الإلزامي الذي توقف العمل به ابتداء من الشهر الماضي تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في يناير 2007، والذي قضى بتحويل التأمين الإلزامي من الرخصة إلى المركبة، وذلك بعد وقوع الكثير من أعمال الاحتيال سواء من شركات التأمين أو المتعاملين معها.
وفي جولة ل(الجزيرة) في المنطقة المحيطة بإدارة مرور النسيم لفت انتباهنا منظر طفل لا يتجاوز عمره تسع سنوات يحمل مجموعة من وثائق التأمين باسم إحدى الشركات المرخصة وينادي على الزبائن المراجعين للمرور لتسجيل سياراتهم أو نقل ملكيتها، ويستدرجهم إلى والده الذي يجلس في الشارع على بُعد أمتار قليلة ويقوم بكتابة بيانات طالب التأمين على (كبوت السيارة). استوقفنا الطفل وسألناه عن مصدر هذه الوثيقة فتدخل والده بسرعة وأكد لنا أنه يبيع وثائق الشركات المرخصة بأسعار تقل عن تلك التي تبيعها مكاتب الشركات في منطقة المرور، ورفض إخبارنا عن الجهة التي أعطته تلك الوثائق وسمحت له ببيعها بهذه الطريقة غير النظامية.
بحثنا عن مكاتب شركات التأمين في المنطقة فوجدناها موجودة بشكل عشوائي، ولفت انتباهنا وجود أربعة مكاتب وضعت عليها لوحات تحمل اسم شركة التأمين نفسها متراصة بجوار بعضها بصورة تعكس فوضوية التوزيع، ولفت انتباهنا أيضا أن كل مكتب من هذه المكاتب يبيع التأمين بسعر مختلف. دخلنا أحد المكاتب وسألنا عن وثائق التأمين التي يبيعها، فقال العامل بالمكتب إن خدماتهم لا تقتصر على الوثيقة التي تصدرها شركته بل يقوم بإصدار وثائق لشركات تأمين حسب رغبة العميل. سألناه لماذا تبيع وثائق الشركات الأخرى؟ فقال: (الناس تأتي إلينا لشراء وثيقة التأمين قبل مراجعة مرور النسيم، وهم يبحثون دائماً عن السعر الأقل؛ لذلك نوفر لهم وثائق عدة شركات وبأسعار مختلفة، وهم يحددون الوثيقة التي يشترونها حسب السعر واسم الشركة).
دخلنا مكتباً آخر لإحدى شركات التأمين وسألنا الموظف عن الخدمات التي يقدمها فقال: (لا يقتصر نشاطنا على بيع وثائق تأمين المركبات، بل نقدم خدمات أخرى كثيرة مثل أعمال التعقيب وتسديد المخالفات المرورية وتسديد رسوم إصدار استمارات السيارات عن طريق الجوال).. هذا الأمر أثار استغرابنا؛ لأننا نعلم أن شركات التأمين يقتصر دورها على تقديم وثائق التأمين فقط وليست مرخصة بتقديم خدمات أخرى في مكاتبها.
مكاتب أخرى كثيرة تحمل اسم شركات تأمين محددة، ولكنها تبيع وثائق لشركات متعددة رغم أنها لا تملك ترخيصاً بالعمل كوكيل أو وسيط. واللافت حقاً أن أحد المكاتب وضع لوحة باسم شركة تأمين وتقتصر إصدارته على وثيقة تحمل اسم شركة تأمين أخرى في صورة واضحة للتضليل والتلاعب.
وفي تعليقه على هذه الظاهرة قال مسؤول بإحدى شركات التأمين ل(الجزيرة): هذه الوسائل الغريبة التي تتبعها بعض شركات التأمين تسيء إلى صورة القطاع ككل وتقلل من مصداقيته. وأضاف: الممارسات العشوائية التي تقوم بها بعض الشركات تعيد إلى الأذهان الأساليب غير المنطقية التي كانت تمارسها شركات تأمين في السابق عند تطبيق تأمين الرخصة الإلزامي في عام 2002، وترتب عنها ضياع حقوق الكثير من المواطنين والمقيمين.
ولفت المسؤول الانتباه إلى أن شركات التأمين قد رفضت مؤخراً الاعتراف بالوثائق التي يتم بيعها عن طريق باعة مجهولين بحجة أنها مزورة، وقد امتنعت تلك الشركات عن دفع التعويضات التي وردت إليها؛ ما أدى إلى ضياع حقوق المتضررين من حوادث الطرق التي تسبب بها أفراد يحملون تلك الوثائق.
ونصح المسؤول بالشركة أصحاب السيارات بضرورة شراء وثيقة تأمين المركبات من المكاتب المعلن عنها لشركات التأمين المرخصة أو من وكلائها المعتمدين، مع عدم الاستناد إلى السعر الأرخص فقط لشراء التأمين. مشيراً إلى أن وثيقة التأمين ليست مجرد مستند لإنهاء إجراءات المرور بل هي شهادة كفالة غرم وأداء للحق الخاص وسيحتاجها سائق السيارة بشدة في حال وقوع حادث؛ لأنها تسدد عنه التعويضات المترتبة عن مسؤوليته تجاه الطرف الثالث المتضرر من الحوادث بحدود تصل إلى 10 ملايين ريال.
كما طالب المسؤول الجهات الرقابية بضرورة متابعة ممارسات شركات التأمين في إدارات المرور لوضع حد لتلك الظواهر السلبية التي تمارسها، وبما يضمن عدم تضليل المواطنين أو ضياع حقوقهم.