زاوية تهتم بكل ما يتعلق بالطب النفسي والتنمية البشرية وتطوير الذات .. نستقبل كل أسئلتكم واقتراحاتكم.
أزمة منتصف العمر
* الدكتور المحترم محمد، لي مدة وأنا أشعر أنني بحاجة إلى المساعدة من شخص ثقة لكن محتارة لمن أروح ومن يساعدني، اليوم قرأت في جريدة الجزيرة مشكلات تفضلت بطرح حلول لها، أرجو أن يسمح لك وقتك بقراءة رسالتي والرد عليها بأسرع وقت.
أنا عمري 44 عاما موظفة وعملي قيادي ومسؤولة عن مجموعة من الموظفات، حياتي العائلية هادئة جدا بدون مشكلات أعيش مع الوالدين لم يسبق لي الزواج لعدة أسباب أولها وآخرها وأهمها قدرة رب العالمين.
أشتكي من الفراغ العاطفي الشديد لكن في الفترة الأخيرة أصبح مسيطراً علي وأثر في نفسيتي، أصبحت مكتئبة غير سعيدة أشعر بالذبول والكسل الدائم غير متلهفة على الدنيا كما كنت سابقا أتمنى الموت وأنتظره، لا أحافظ على المادة بل أبذرها بسرعة في أشياء تافهة، أنا في إجازة من شهرين وأتمنى أن تطول ولكن الوالد مصر أرجع للشغل وبداوم السبت بنفسية مسحوبة غير راغبة في مقابلة الناس.
الجميع يراني جميلة وأنا أرى نفسي قبيحة لا أرغب النظر في المرآة.. أصبحت أكره نفسي لا أحب التصوير لأني أرى نفسي قبيحة في الصور مع أني أسمع الجميع يثني عليها. أصبحت العبرة ثابتة في الحلق لا تذهب. هذه الحالة جديدة على نفسيتي.. أنا كنت على النقيض من ذلك.. أرجوك ساعدني.
- أختي الكريمة من الواضح أنك عانيت كثيرا - أعانك الله - في الفترة السابقة الذي يبدو لي أنك كنت والى فترة قريبة سابقة تجتهدين كثيرا لخلق توازن نفسي صحي في حياتك.. بمعنى أنك وبرغم شعورك بوجود فراغ عاطفي لديك إلا أنك كنت تحاولين تعويض ذلك بالاجتهاد في عملك وتحقيق ذاتك والشعور بالإشباع الداخلي من خلال العمل خصوصا وأنك في وظيفة قيادية كما ذكرت. لكن نحن في النهاية بشر والإنسان له طاقة معينة لا يستطيع تجاوزها كما أن كل مرحلة عمرية لها خصوصياتها وحاجاتها النفسية العميقة التي يحتاج الشخص إلى إشباعها لتحقيق النضج والاستقرار النفسي المطلوب للانتقال للمرحلة اللاحقة من عمره. التغير الذي شعرت به بشكل واضح والإحساس بالفراغ العاطفي بشكل أكبر في الوقت الحالي هو ناتج برأيي عن أمرين أساسيين:
الأول: المرحلة العمرية الحالية لك، فالمرأة عندما تصل إلى عمر معين تكون بحاجة أكبر لتحقيق الأنثى التي بداخلها ومن ثم أيضاً إشباع حس الأمومة الذي هو فطرة فطرها الله عليها.
الثاني: ظهور أعراض اكتئابية لديك كالشعور بالكآبة المستمرة وعدم الرغبة في مقابلة الآخرين والكسل والخمول الدائم وتمني الموت وفقد الرغبة في العمل وعدم الإحساس بمتع الحياة، وكذلك النظرة السلبية للذات (صورة الذات السلبية) وهي التي تفسر عدم قدرتك على تلمس جوانب الجمال في مظهرك الخارجي. كل ذلك من شأنه تعزيز الإحساس بالفراغ الداخلي أكثر.. فعندما نكتئب يصبح إحساسنا بالألم في أعلى درجاته ونميل أكثر إلى التركيز على الجوانب السلبية في حياتنا وفي أنفسنا كذلك.
أعتقد أختي الكريمة أن هناك ثلاثة جوانب أساسية من شأنها - بإذن الله - أن تحدث نقلة إيجابية في حياتك:
أولا: برامج العلاج النفسي التدعيمي (supportive psychotherapy) ويوجد حالياً الكثير من الأخوات الإخصائيات النفسيات السعوديات اللاتي يمكن أن يقدمن مثل هذا الدعم المتخصص لك، خصوصا إذا كان هناك المزيد من المشاعر المكبوتة التي تحتاج إلى تفهم واحتواء من إخصائية أنثى تفهم جيدا مشاعرك.
ثانيا: يوجد حالياً الكثير من أدوية الاكتئاب التي تجمع بين صفتي الفعالية العالية وعدم وجود أعراض جانبية خطيرة فهي بشكل عام آمنة جدا ولاتسبب الإدمان أو التعود وفعالة في مثل حالتك وأعتقد أنك - بإذن الله - ستنتفعين كثيرا منها.
ثالثا: نحن مطالبون كمسلمين بالبحث عن الفرص النافعة لنا وللآخرين، وأنت - ولله الحمد - إنسانة على خلق ومجتهدة في عملك؛ ولذلك فهناك الكثير من الطرق المشروعة للبحث عن فرص للزواج، المطلوب منك أن تسعي وراءها وليس في ذلك عيب طالما أنها طرق مشروعة وأنت تبحثين عن حق شرعي لك يساهم - بإذن الله - في حفظك وحفظ أسرتك.
وتذكري أنه أحيانا لا يكون كافيا انتظار الفرصة حتى تطرق بابنا بل البحث عنها بالطرق المشروعة.. أسأل الله العلي العظيم لك التوفيق والستر.
نوبات ذعر
* بعد التحية والتقدير والاحترام..
أعاني منذ فترة طويلة من حالة لم استطع تشخيصها بشكل دقيق وهي تنقسم إلى مجموعة معاناة ولكن الشديدة منها هي تذكر الموت وكيف يعيش الإنسان وان مجرد توقف هذه العضلة أقصد القلب ينتهي الإنسان من الحياة بعد جهاد على لقمة العيش، المهم أحس وقتها بخفقان شديد في القلب وكتمة في الصدر وتنميل في الأطراف ودوران في الرأس وهذا يحصل أحيانا وأنا لوحدي أو في الطريق في السيارة وأحيانا وأنا في الفراش مستعد للنوم.. وأعتقد - والله أعلم - أن الأكل يلعب دورا كبيرا في هذا. عندي أيضاً خوف من الأمراض بشكل كبير على الرغم من أن جميع فحوصاتاتي سليمة والحمد لله والغالب أعيش حياتي بشكل طبيعي من ضحك وترفيه وعمل وغيره. ذهبت إلى طبيب نفسي وقال عندك مشكلات في كيميائية المخ، وذهبت إلى آخر وأعطاني علاجا ولكن لم استخدمه بعد قراءة تأثيره على القلب. وأنا حيران وقلق.. وتقبل تحياتي.
- أخي الكريم يبدو أنك تعاني بشكل عام من اضطراب قلق وتوتر شديد وهو الأمر الذي يجعلك عرضة للتفكير السلبي المتشائم كالتفكير الدائم بالإصابة بالأمراض على الرغم من عدم وجود مبرر منطقي لذلك كما ذكرت فجميع الفحوصات الطبية تشير إلى سلامتك. بالنسبة لنوبات الخوف الشديد المصحوب بخفقان وكتمة ودوار واحساس بأنك مقبل على الموت في أوقات مختلفة فهذه في الغالب نوبات ذعر (panic attachs) تكون بطبيعتها مفاجئة ومصحوبة بأعراض القلق الجسدية كالخفقان والكتمة والشعور بالدوار والتنميل أو الخدر في الأطراف.
القلق بطبيعته مزعج جدا لصاحبه ويؤثر في جوانب كثيرة من حياته وليس كما يعتقد البعض أنه نوع من الترف والمبالغة في الشكوى. لكن لتطمئن أخي العزيز فرغم معاناتك - أعانك الله - على هذه الأعراض إلا أنها في النهاية أعراض مؤقتة تأخذ وقتها ثم تبدأ بالتدريج في التلاشي وفي العادة أنها لا تؤدي - بإذن الله - إلى أي تطورات خطيرة.. لكن من الأفضل لك الاستفادة من الأدوية النفسية الفعالة والآمنة المتوافرة حالياً، إضافة إلى جلسات العلاج النفسي وتحديدا العلاج المعرفي للتحكم في الأفكار السلبية التي تتسرب عادة لذهنك وتؤدي إلى التوتر والقلق الشديد واستبدالها بأفكار أكثر إيجابية ودعما للاسترخاء والهدوء النفسي.
من أبسط حقوقك على الطبيب أن يشرح لك بالتفصيل فائدة الدواء وكذلك أعراضه الجانبية المتوقعة؛ لأن الطبيب هو الأكثر دراية وخبرة باستخدام الدواء وتأثيراته على المرضى ولا يمكن الاعتماد فقط على قراءة النشرة الخاصة بالدواء، لأن هذه النشرات عادة ملزمة وكجزء من الاتفاقيات الطبية العالمية على ذكر جميع الأعراض الجانبية المحتملة بما في ذلك النادرة جدا.. فعلى سبيل المثال دواء شهير جدا كالبنادول يباع حالياً حتى في الأسواق الغذائية وليس الصيدليات فقط تجد في النشرة الخاصة به أنه يمكن أن يؤدي لحدوث نزيف دماغي ومع ذلك فالمتخصصون يعلمون أن نسبة حدوث ذلك تقترب من الصفر، والأمر ينطبق على النشرات الخاصة بجميع الأدوية الطبية. ولذلك فالشخص شديد التوتر والقلق سيتردد كثيرا في استخدام أي دواء عندما يقرأ النشرة الخاصة به بالتفصيل. لذلك فالمرجعية هنا هو الطبيب الذي يعرف الأعراض الجانبية شائعة الحدوث ويحاول أن يوازن بين الفائدة المرجوة من الدواء للمريض وأعراضه الجانبية المتوقعة.. وفقك الله.
إضاءة
تذكَّر أنك عندما تسامح فأنت تكافئ نفسك أولا قبل الآخرين.
دكتوراة في الطب النفسي كلية الطب ومستشفى الملك خالد الجامعي - الرياض
e-mail : mohd829@yahoo.com