القاهرة - محمد العجمي
في الوقت الذي يجري فيه العمل على قدم وساق للإعداد للقمة العربية الاقتصادية بداية العام المقبل بدولة الكويت، تتسارع المتغيرات العالمية نحو مزيد من التكتلات والاندماجات، وتتسابق دول العالم على جذب الاستثمارات من أجل تحقيق الرفاهية لشعوبها؛ لذا تترقب الشعوب ومنظمات الأعمال العربية عقد القمة لبلورة العمل العربي الاقتصادي، ورسم خريطة جديدة قادرة على إنجاز حلم السوق العربية المشتركة التي طال انتظارها كثيراً.. (الجزيرة) التقت السفير جمال البيومي الأمين العام لاتحاد المستثمرين العرب للتعرف على مدى تأثير المتغيرات العالمية والإقليمية في الاقتصاد العربي، وما أهم المطالب والمقترحات التي يمكن تقديمها للقمة القادمة:
* كثير من الآراء ترجع سبب تأخر التكامل الاقتصادي العربي إلى عدم وجود إرادة سياسية.. ما رأيكم؟
- الإرادة السياسية العربية الساعية نحو التكامل موجودة بشكل واضح، ومؤكدة في كل خطاب سياسي عربي، لكن ما ينقصنا هو سرعة التحرك، خصوصا أن البيروقراطية في العالم العربي تعطل سير العمل ولا تقوم بأداء واجبها، فمثلا لدينا اتفاقيات ليس بها قواعد منشأ أو مواصفات ولا فض منازعات ولا قواعد لتنظيم الإغراق والدعم، كما أن بعض أصحاب المصالح ليس من مصلحتهم تحرير تجارة السلع في العالم العربي، لهذا فالبيروقراطية تخضع لضغوط أصحاب المصالح، فتضع قواعد سلبية لعدم التحرير، حتى صارت نصف المصنفات التجارية غير محررة في العالم العربي والنصف الآخر لا نتاجر في معظمه، إذا فالإرادة السياسية ليست غائبة وإنما الحاضر هو إرادة أصحاب المصالح بمساندة البيروقراطية.
* بم تفسرون قصور التجارة البينية العربية رغم تعدد الاتفاقيات؟
- يرجع تواضع نسبة التجارة البينية العربية إلى صغر أحجام قواعد الصناعات العربية، وعدم تنوعها من جهة وغيبة المعرفة بأحوال الأسواق وما توفره من جهة أخرى، والسبب الأهم لقصور التجارة البينية العربية هو أن الدول العربية لا تنتج أغلب احتياجاتها بالقدر الكافي فتلجأ إلى الاستيراد من خارج العالم العربي، ما يسبب الفجوة الأساسية بين الاستيراد والتصدير، وبهذا تتضح حقيقة أن الهدف يجب أن يكون تنمية وتنويع الإنتاج إلى جانب هدف تيسير التجارة السلعية والتركيز على قضايا التنمية والتكامل وتنويع الإنتاج بجانب فتح الأسواق.
* هل الاتفاقيات العربية حققت نجاحا خلال السنوات الماضية؟ وما الرؤية الشاملة لبناء اقتصاد عربي؟
- حققت اتفاقات التجارة العربية نجاحا محدودا، ويتطلب الأمر تبني رؤية شاملة لبناء نظام عربي يتجاوز عقد اتفاقيات ذات أثر أفقي محدود، فمناطق التجارة الحرة وإلغاء الرسوم الجمركية قد لا يحققان وحدهما الغرض ويؤديان إلى عملية تحويل مكلفة للتجارة وهي أدوات لفتح الأسواق وحفز القدرة التنافسية، وليست وسيلة للإنتاج بالكمية والجودة المطلوبتين؛ ففكر التكامل الاقتصادي يقوم في إطار يشمل سياسات الإصلاح في الداخل وفتح الأسواق في الخارج. ولابد للرؤية الشاملة لعمل عربي متكامل أن تمتد نحو مجالات التعاون العربي التي تحقق تبادلا بينيا يتفوق على نتائج تحرير التجارة السلعية مثل تحرير الخدمات التي تتمتع بوضع أفضل نتيجة حركة الإنسان العربي التي تغذي خدمات النقل والمواصلات والاتصالات والمصارف والسياحة وغيرها، كما أن الدول العربية وفرت أكبر سوق لحركة العمالة العربية البينية، أضف إلى ذلك رأس المال العربي الذي يعد أكبر مصدر للاستثمار في الدول العربية.
* ما متطلبات العمل العربي في الفترة القادمة؟
- أولت الدول العربية الاهتمام للتعاون الاقتصادي لارتباطه بأهداف التنمية ومصالح الأمن المشترك منذ مطلع عقد الخمسينيات من القرن الماضي؛ فعقدت العديد من الاتفاقيات وأنشأت عشرات المؤسسات العربية؛ لذا يتطلب العمل الاقتصادي العربي المشترك - في المرحلة الراهنة - الانطلاق إلى آفاق أوسع وأعمق تتخطى إقامة مناطق التجارة الحرة إلى بناء نظام اقتصادي عربي فعال، على أساس نسق وأنظمة أعمق من التجارة السلعية، شاملة قطاعات أخرى للتعاون مثل الخدمات والاستثمار والمصارف والتكنولوجيا والمعلومات وغيرها، بجانب التكامل الصناعي والزراعي وعلاج الفجوة الغذائية والبحث العلمي.
* اتفق القادة على إلغاء الرسوم الجمركية كلية بين دول المنطقة.. فكيف ترون هذه الخطوة؟
- هي خطوة غير مسبوقة في العمل العربي يمكن أن تحقق فوائد أكبر إذا اتجهت الدول العربية نحو مجالات أبعد وأعمق بجانب دعم سياسات الإصلاح وتحرير التجارة المكملة للاتفاقية، ومن بينها تنسيق السياسات الاقتصادية والتجارية والنقدية لخدمة العلاقات البينية وتفعيل نظم وآليات فض المنازعات الخاصة بالتجارة والاستثمار، وقيام هيكل تنظيمي مستقل بالأمانة العامة لمتابعة سير الاتفاقية، وتبني أنماط للتعاون بسرعات وأهداف متعددة تتوافق وقدرات الدول الأعضاء وتحديد مواقف الدول التي لا تحقق الحد الأدني من التزامات الاتفاق.
* ما مقترحاتك في شأن العمل العربي المشترك التي تتطلع أن يتبناها القادة العرب في قمتهم القادمة؟
- القمة العربية هي أعلى مستويات صنع القرار العربي وهي القادرة على تطوير بنائه المؤسسي، وتحديد توجهاته، وسياسات منظماته، والتعبير عن المواقف العربية من القضايا الخارجية، ولقد كانت الأحداث السياسية والتهديدات الأمنية تستحوذ على أغلب أوقات القمم ونشاطاتها في القمم السابقة وهو ما كان يتطلب وجود مساحة أكبر من الوقت للعناية بالملف الاقتصادي، ولعل تخصيص قمة للملف الاقتصادي والاجتماعي سيعطي وقتا أطول وعناية أكبر، خصوصا أننا طالبنا كثيرا بتخصيص قمة اقتصادية للنظر في الشأن الاقتصادي المشترك ومناقشة معوقات التقدم والتوجيه في شأن الخطوات القادمة لمواجهة المعضلات والعقبات الفنية والبيروقراطية والعمل على دفع مسيرة التكامل الاقتصادي العربي، وعقد هذه القمة بصورة مستمرة بما ينعكس على وضع خطوات عملية وقابلة للتنفيذ لإنشاء السوق العربية المشتركة والاتحاد الجمركي والنقدي.