بين فينة وأخرى نسمع صياحاً عالياً من قِبل نفر من الناس .. هناك في الخارج أو هنا ممن يهيمون بالخارج ورؤاه، ففي (الهناك) يعيشون تحت وطأة الهوى فاختلقوا قيماً (مستغربة) غير قيمنا، ووضعوا نظماً غير نظامنا من خلالها يتشدّقون ويغنّون ويرقصون على أنغام أخلاقيات مبتذلة اعتبروها أيدولوجيتهم التي اختلقوها من عند أنفسهم وظنّوا بها ثراؤهم وإشباع حاجاتهم ونزواتهم وأمنهم وراحتهم، وتشكّلت بها طباعهم، فأضاعوا وفرّطوا في جانب الحق والدِّين ففقدوا الرُّشد، وغالوا في نزعاتهم الهابطة، وانغمسوا في مهاوي الغي مما يقودهم بإذن الله إلى ضياع تقدمهم المزعوم وانطماس ثقافتهم الهابطة.
واتبعهم في (الهنا) نفرٌ تواروا عن موروثاتهم ومعطيات ثقافتهم التليدة، وساروا في طريق التقليد الأعمى والمحاكاة البغيضة التي تنبئ بفقدانهم الرُّشد، فتلاعبوا بالمعايير الأخلاقية والقيم الحميدة، وتبنّوا الأفكار الهدّامة التي تصل إليهم عبر (النت) و(الشات) و(الفيس بوك) والأفلام ومنتج الإعلام الجماهيري المنفلت.
ويزعم هؤلاء في (الهنا) و(الهناك) أنّنا نستخدم العنف في بيوتنا ومع أُسرنا (الزوجة والأبناء)، ويصوِّروننا بالغلظة والفظاظة، وقلوبنا صلبة، وقد جفّت فيها ينابيع الرحمة فنقسو على زوجاتنا، وأنّنا نضرب أبناءنا سفهاً بغير علم، لأنّ العلم عندهم حرية مزعومة ويحضون على انخلاع المرأة من كنف زوجها وخروج الأبناء عن طاعة والديهم، أوقعوهم في جدل ثقافي قادهم إلى الخطأ وأوهموهم (بحالة) الحرية في الفكر والمسلك فإنْ لم ينصاع الآباء فعلى الأبناء شكايتهم، والخروج عن طاعتهم .. حتى لو اكتسبوا اتجاهات تخالف الدين وتمس المعايير، وتؤدي بها.
إنّ هذه الدعاوى البغيضة التي تحمل في طياتها مخالفات خطيرة لأوامر الله في وجوبية القوامة، ومسؤولية الأمانة، ولزومية التربية، وتوضيح شئون الحلال والحرام، وتكفل شئون الأسرة وقيادتها لاتباع السلوك القويم والأخذ بيدها بعيداً عن خط الانحراف - والعياذ بالله -.
إنّهم تحت مظلّة العنف الأسري، يريدون منا قطع الأواصر وفساد العلائق، وقطع الأرحام، وتمزيق نسيج المجتمع المسلم.
إنّهم يريدون الهبوط بالدور والكيان الذي رسمه الإسلام للمرأة العفيفة الطاهرة التي كرّمها الله، وحباها بكل المعاني الإنسانية، وأعطاها حقها الكامل في الحياة، وفق منهج قويم في الأخلاق والسلوك، لا كما يريدون لها في (الهناك) متاعاً وتلبية لرغباتهم، بينما لدينا في (الهنا) وفق شريعة الله وتكاليفه وفرائضه وشتى أركانه وشعائره من يسر في الإجراءات ومرونة في الأداءات وتخفيف في الأعباء وسماحة في المعاملات ورعاية وسد للحاجات البيولوجية والنفس اجتماعية ودعم للطاقات والقدرات، وهي كلها أمور حسنة يتلاقى فيها أفراد الأسرة جميعها بروح طيبة، محوطة بأسمى وأرفع وأرقى ما عرفت الحياة من تصرف مسئول، وتواصل ملتزم، وإرادة واعية، من غير قهر أو تسلُّط أو عنف، ولكن مسئولية الرعاية والتربية والضبط في معناه الاجتماعي الذي التقت عليه أُمّة الإسلام في كتاب الله وسنّة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، الذي يدعو - لما لا يعرفونه - لأدب التعامل وأخلاقيات المعاشرة، وقيام العلائق على الحكمة والتوجيه السديد واللين في الخطاب، والبصيرة الثاقبة في كل مجال من مجالات الحياة.
هذا يتفق مع تعاليم ثقافتنا الإسلامية التي يرفض العنف ولا يقرّه بل ينحو باللائمة على كل من يتخذ العنف وسيلة لتحقيق مآربه وبلوغ مبتغاه، كما وأنه يحذر من اتباعه مهما كانت غايته أو الوصول به لمأرب دنيء، لأنه معاكس لدعوة الإسلام القائمة على الحكمة واللين والبصيرة والموعظة الحسنة، والكلمة الطيبة، وسعة الصدر بل وسعة الأفق والعلم بالمحيط وما يدور فيه.
فنحن يقيناً لا نستخدم أي أسلوب من أساليب العنف - وهي متعدّدة - مع زوجاتنا وأبنائنا، لأنّ العلاقة بيننا تقوم على المودة ومراعاة حقوق الكل والمعاملة الإنسانية، فليس من ثقافتنا الغدر والخيانة، فهي صفاتهم هم في (الهناك)، لأنهم الذين يلوون أعنة الحقائق، ويعرضون عن سبيل الحق، ولا يقولون الصدق، ويدافعون عن الظالم حتى يمعن في ظلمه أكثر وأكثر، فهم يعطونه حقاً ليس به وهم لا يملكوه، لكنه مجاملة وعربون صداقة على حساب الحقيقة، ويظهر إزاء ذلك ردود فعل مقاومة وعنيفة وليصير العنف متبادلاً.
وها نحن نربي أبناءنا على الوضوح والصدق والإخلاص والبر والوفاء والحب والمروءة والكرم، كل هذا وغيره من ثقافة الإسلام وأخلاقياته وهي تسير حسب منهجه القويم المحدد للقيم والسلوك، والمعتقد، والمعرفة .. فضلاً عن الوعي بالقوانين الاجتماعية والأسس التربوية ذات الأثر الفاعل في تربية وتأهيل وتقويم الفرد عن طريق التكرار والتعزيز والمشاركة والتواصل الفعّال.
هذا التواصل بهذه الكيفية يدعم الوعي بالتجربة الإنسانية من خلال الفرضيات الثقافية وامتداد للأحاسيس الإنسانية الإدراكية الواعية، ونقول للصائحين المنادين بالحرية الليبرالية للمرأة والطفل، ومن يسموننا بالعنف، إننا قادرون على تحمُّل مسؤولية صيانة سلوكنا، وخلق الارتباط الجماعي، وتدعيم علاقات التبادل، واستخدام التعزيز الانتقائي في علاقتنا مع الآخر {فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ...}- سورة يونس - صدق الله العظيم.