إنّ ندرة المياه تذكرنا بصور الجفاف ونوبات انحباس الأمطار المؤقتة، ومع ذلك ففي حين تطغى موجات الجفاف على العناوين الرئيسية في الصحف وتستحوذ على اهتمامنا، إلا أنّ التهديد الأكبر المتمثل في استهلاكنا المتزايد للمياه لا يحظى بأي اهتمام من جانبنا في الغالب فقد ظلت المياه تهدر وتدار بطريقة سيئة ويساء استخدامها طوال عقود، وبدأت عواقب ذلك تصل إلى عُقر دارنا. والدلائل على الضغوط المائية كثيرة جداً. فمستويات المياه في الأحواض الجوفية تتناقص، والبحيرات آخذة في التقلص والأراضي الرطبة هي الأخرى تحتفي. كما سمع الناس في الشرق الاوسط كثر من رئيس وهو يعبر عن احتمال قيام الحرب بسبب المياه النادرة.
وعلى الرغم من أن المياه مورد متجدد، إلا أنه مورد محدود كذلك. تقول ساندرا بوستيل في كتابها (الواحة الأخيرة: مواجهة ندرة المياه) وأحد الدلائل الصارخة على ندرة الماء. ذلك العدد المتزايد من الأقطار التي فاقت أعداد السكان فيها المستوى السكاني الذي يمكن المحافظة عليه بصورة ممكنة بالنسبة لكميات المياه المتاحة. واليوم هناك 26 قطراً، يشكل عدد سكانها مجتمعة 232 مليون نسمة، تقع ضمن فئة الأقطار شحيحة المياه. ولما كانت معظم هذه الأقطار ذات معدلات نمو سكاني عالية، فإن مشكلات المياه فيها تزداد تفاقماً بصورة سريعة.
وفي الشرق الاوسط تسعة أقطار، من بين الـ14 قطراً في المنطقة، قد أصبحت تواجه فعلا ظروف شح المياه، الأمر الذي يجعل هذه المنطقة أكثر الأقاليم في العالم التي تتركز فيها الأقطار التي تعاني من ندرة المياه.
ولما كانت جميع الأنهار في الشرق الأوسط هي بالفعل أنهار مشتركة بين عدد من الدول، فإن التوترات حول حقوق المياه هي بمثابة اضطرابات سياسية محتملة في طول المنطقة وعرضها.
ومن بين أكثر المشكلات انتشاراً مشكلة انخفاض مستويات المياه في الأحواض الجوفية الناجمة عن إستخدام هذه المياه بأسرع مما تستطيع البيئة تعويضه. وما لم يتم إحداث التوازن في المياه الجوفية بين ضخ المياه والتغذية الطبيعية فإن المحصلة النهائية أن تصبح المياه الجوفية باهظة في تكاليف إستخراجها.
فالمملكة العربية السعودية مثلاً، ذات الأراضي الجافة تقوم الآن باستخدام مياه الأحواض الجوفية غير المتجددة لكي تلبي ما نسبته 75% من احتياجاتها المائية وهذا الاعتماد على المياه الجوفية آخذ في التزايد نتيجة لجهود الحكومة على تشجيع إنتاج القمح. إن إنكماش مخزون المياه الجوفية وتدني مستويات المياه في الأحواض الجوفية والطلب المتوقع الذي يفوق كثيراً الإمدادات المتاحة، كلها شواهد على الضغوط المائية.
وقد برز صراع حول وظيفتين من وظائف المياه: المياه كسلعة تخدم الأهداف الاقتصادية المتمثلة في الانتاجية الزراعية المرتفعة والتوسع الصناعي ونمو المدن من جهة، والمياه كعامل مساعد أساسي لحياة جميع أنواع الكائنات والمجتمعات الطبيعية من جهة أخرى.
إنّ كل أرض رطبة وكل بحيرة وكل نوع من الكائنات المائية المهددة بالخطر هي اختبار حاسم لمدى قدرة سكان إقليم ما وقدرة اقتصادهم على التكيف مع المتطلبات البيئية لنظام مالي سليم.
عضو هيئة التدريس بجامعة الامام محمد بن سعود