في معظم الكتب والمقالات التي نقرؤها في منظومة المعرفة العربية لا بد أن نجد الحكمة في آية من القرآن أو حديث نبوي أو بيت شعر ومقولة لعالم من العلماء أو الخلفاء، وهذه الحكم تنفرد بخاصية بها دون غيرها فالقرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد يقدم لنا الحكم في أعلى درجاتها وتتفاعل النفس الإنسانية وتعانقه لأنها تجد فيه ضالتها والحديث النبوي كذلك الذي نزل على نبي هذه الأمة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- بوحي إلهي يجسد حساً روحياً ومادياً ويخاطب فطرة الإنسان حتى تتحقق له السعادة في الدنيا والآخرة وهذان القاموسان القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة تعمق فيهما طلبة العلم وأعطتهم دافعاً لتعلم اللغة العربية وآدابها فلهذا نجد علماء الأمة على مر العصور يملكون مخزوناً منها بلاغة وفصاحة وتحدثاً وكتابة فعلى سبيل المثال نجد إلى حد قريب المئات من طلبة العلم يحفظون ألفية ابن مالك كاملة والتفاعل معها قواعد وإعراباً فكتب التراث التي بيننا اليوم شاملة للمعرفة كاملة وتجد فيها ما يلبي ويشبع رغبة القارئ والكاتب في نفس الوقت لأنهما حريصان على الاستشهاد بهما تحدثاً وكتابة في ظل هذه الأجواء، وعندما كنت أقلب في بعض الكتب لفت انتباهي كتاب اسمه عطر المجالس للدكتور أنس كرزون فيه الكثير من الحكم التي رأيت فيها أنها تشوق القارئ والكاتب لأنها نبعت من موروثنا الثقافي وقد اخترت منها ما يلي: |
|
روى الإمام الدينوري عن أبي إسحاق أنه قال: (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يثبت لهم العدو فواقاً عند اللقاء، فقال هرقل وهو على أنطاكية لما قدمت منهزمة الروم، قال لهم: أخبروني ويلكم عن هؤلاء القوم الذين يقاتلونكم، أليسوا هم بشراً مثلكم؟ قالوا: بلى. |
|
قالوا: بل نحن أكثر منهم أضعافاً في كل موطن. |
قال: فما بالكم تنهزمون كلما لقيتموهم؟ |
فقال شيخ من عظمائهم: من أجل أنهم يقومون الليل، ويصومون النهار، ويوفون بالعهد، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويتناصفون بينهم، ومن أجل أننا نشرب الخمر، ونزني، ونركب الحرام، وننقض العهد، ونغصب، ونظلم، ونأمر بما يسخط الله، وننهى عما يرضي الله عز وجل، ونفسد في الأرض. |
|
|
عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أتاني جبريل فقال: يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت، وأحب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس). |
|
دعوني أناجي مولى جليلاً |
إذا الليل أرخى علي السدولا |
عظيم الجلال، كريم الفعال |
جزيل النوال تنيل السؤولا |
حبيب القلوب، غفور الذنوب |
تواري العيوب تقيل الجهولا |
سوء الطبع عادة مستحكمة |
يصل الفساد ببعض الناس أحياناً إلى درجة يتأصل معها سوء الطبع والإجرام، فلا تؤثر فيه موعظة، ولا يحركه أن يهز قلبه القاسي ترغيب أو ترهيب، وينطبق على هؤلاء قصة الراعي الذي أفق على جرو ذئب صغير ورباه مع أغنامه يرضعه من ألبانها، حتى إذا شب وقوي بقر شاة وأكلها، فقال الراعي هذه الأبيات: |
بقرت شويهتي وفجعت قلبي |
وأنت لشاتنا ولد ربيب |
غذيت بدرها وربيت فينا |
فمن أنباك أن أباك ذيب |
إذا كان الطباع طباع سوء |
فلا أدب يفيد ولا أديب |
|
أخرج الإمام أحمد عن علي رضي الله عنه قال: |
(تعلموا العلم تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله، فإنه سيأتي من بعدكم زمان ينكر فيه الحق تسعة أعشاره). |
وعن علي رضي الله عنه قال: (يا حملة العلم اعملوا به، فإنما العالم من علم ثم عمل، ووافق علمه عمله، وسيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم، تخالف سريرتهم علانيتهم، ويخالف علمهم عملهم، يقعدون حلقاً فيباهي بعضهم بعضاً، حتى إن الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره ويدعه، أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى الله عز وجل). |
|