من الأقوال الأوروبية المتداولة والشائعة عن العرب والثقافة العربية منذ القرن التاسع عشر الميلادي: أنه لا يوجد فلسفة أو علم عربي.. فهما عربيان باللغة فقط إنما منشأهما من علماء وفلاسفة غير عرب أو أنها مترجمة عن الإغريق.. وتذهب بعض هذه الأقوال إلى أن العرب لا يملكون ثقافة مستقلة.. وأن الثقافة العربية ثقافة اتباع وليست ثقافة ابتداع.. وقد نقلوا عن غيرهم ثقافاتهم التي شوهوها وأفسدوها بالكامل نتيجة مرورها في العقل العربي الضيق العاجز عن التصور الفلسفي الشامل.. ويزيدون بالقول إن صراع الحضارات مع العرب سوف يكون أبدياً.. لأن ثقافة العرب تتناقض مع الحداثة ولا تعترف بالتطور التاريخي وسوف تمنعهم من التقدم والاندماج في الحضارة العالمية.
وقد استجاب بعض المفكرين العرب مع تلك الأقوال وأيدوها وضربوا أمثلة عليها كرفض الديموقراطية وذهنية العنف التي تشكل العمود الفقري لتراثنا.. حتى شكلت الشخصية العربية التي من سماتها عقدة حب السيطرة.
وذهب آخرون إلى أبعد من ذلك.. ورأوا أن الذل والإذلال سمة عامة في الثقافات العربية.. حتى توصل الدكتور (محمد عابد الجابري) إلى القول إن العقل السياسي العربي مسكون ببنية المماثلة بين الإله والحاكم.
ووصف (أنطونيوس كرم) الثقافة العربية في كتابه (العرب أمام التحديات التكنولوجية) (بأنها تعاني من أزمة قيمية وأنها مزيج غريب من قيم الحضارة الزراعية القديمة وقيم البداوة المتأصلة وقيم عصور التخلف وقيم الاستهلاك.. ويضيف أن العرب غير قادرين على الانصهار في حضارة العصر لأنهم يحلمون بالحصول على العلوم التكنولوجية منفصلة عن النظام القيمي الذي سمح بتطويرها.. وأن العرب غير قادرين على تقديم البديل لأنهم يرفضون منطق العصر ويدعون إلى منطق الماضي).
أما الدكتور (تركي الحمد) فيصف أزمة الثقافة العربية بأن (العرب أمة تنتمي إلى الماضي ذهنياً.. وتعيش في الحاضر مادياً.. وتريد السيطرة على المستقبل أملاً وحلماً.. دون أن تمتلك مفاتيح هذا المستقبل).
ما الذي أثار هذه الآراء تجاه الثقافة العربية وأن لها خصوصية ثقافة التخلف لا الحداثة؟.. وكيف أن هذه الآراء التي بدأ تداولها منذ أكثر من مائة عام لا زالت قائمة حتى الآن.. وإلى من نوجه الاتهام في ترسيخ هذه التهمة.. هل هم رجال السلطة الذين يريدونها أبدية.. أم هم الرجال الذين يرون في الحداثة تحولاً عن الثوابت.. أم هم المثقفون الذي استمرأوا جلد الذات.. أم هو المجتمع بأسره الذي تحول إلى مجتمع متلقٍ لا يتساءل ولا ينقد؟.