نفهم من هذا الكتاب الذي صدر أخيرا وعلقت عليه فيشيكا ديساي، رئيسة الجمعية الآسيوية في مدينة نيويورك، أنه يتناول التحول في القوة الاقتصادية للشرق بصفة عامة ولدولتين كبيرتين متجاورتين فيه بصفة خاصة: الصين والهند. فمن يستطيع أن يوقف هذا المد الاقتصادي، بل ولربما الجيوبولوتيكي؟ والسؤال الآخر المطروح، بل والمفتوح: كيف ستتعامل الولايات المتحدة، القوة الاقتصادية العظمى في العالم حتى الآن، مع هذا التحول، وليس هذا فحسب بل كيف ستتعامل الدولتان، الصين والهند، مع هذه القوة الاقتصادية العظيمة القادمة لكل منهما أو لهما معا؟ والجواب على هذه الأسئلة ليس بالأمر الهين. هنالك عدد من السيناريوهات: إن تعاونت الدولتان، أي أصبحتا متعاونتين collaborators بدلا من أن تكونا متنافستين competitors، فيمكن أن تتحولا إلى قوة اقتصادية مهيمنة. وفي السياق نفسه يمكن أن يقال إن ما في إحدى الدولتين من قوة وما في الأخرى من ضعف يكمل الآخر.
ويذكر الاقتصاديون أن (عمر الهند الاقتصادي)، منذ استقلالها من بريطانيا العظمى لا يتجاوز 15 عاما، أو يمكن اعتبارها لتوها وصلت سن البلوغ، أما الصين فعمرها (الاقتصادي)، منذ ثورتها الماوتسي تونجية، أكبر من الهند، 30 سنة أو تعتبر في مرحلة الشباب. أما عمر كل من الدولتين (الحضاري) فضارب في التاريخ البشري آلاف السنين. ويقول السيناريو الآخر إن تعاون الدولتين، وليس تنافسهما، سيجعلهما قوة ضاربة في آسيا تقابل القوة الأوروبية والأمريكية. ويمكن أن تقارن الدولتان في مجالي التعليم والبنى التحتية، فيقال: تعتبر الهند أقوى في مجال التعليم، مقارنة بالصين، وأضعف في البنى التحتية، والصين أضعف نسبياً من الهند في التعليم وأقوى منها في البنى التحتية. كما أن هنالك مسألة أخرى، على جانب كبير من الأهمية، ألا وهي ضعف الهند، مقارنة بالصين، في مجال بعض الصناعات، وضعف الصين بالنسبة للهند في مجال صناعة الخدمات. وهنا يمكن القول إن في صالح الدولتين، لاسيما في الوضع الراهن، المزيد من التخطيط الاقتصادي الشمولي macro economic planning. وإن تم تعزيز مسألة التعاون المشترك بينهما للتصدي لنقاط الضعف في كل منهما، فالاحتمال الكبير تعزيز القوة القادمة من آسيا على وجه العموم ومن الصين والهند على وجه الخصوص.
وفيما يتعلق بالتبادل التجاري الآسيوي البيني Intra- Asia Trade فيعتبر على أشده في الوقت الحاضر، ويسجل نقطة قوة لصالح الاقتصاد الآسيوي. ولقد تجاوزت الصين الولايات المتحدة، إذ أصبحت الهند الشريك التجاري الأول للصين. ومن المتوقع أن يرتفع إسهام قارة آسيا في النمو الاقتصادي العالمي لاسيما الصين والهند ودول أخرى مثل اليابان ودول جنوب شرق القارة. ويؤكد مؤلف الكتاب محبوباني أن آسيا قادت النشاط الاقتصادي لآلاف السنين.
وتعتبر سيطرة الدول الغربية الاقتصادية، خلال المائتي سنة الماضية، تعتبر الاستثناء ولم تكن القاعدة. وهناك من يرى أن الهيمنة الاقتصادية العالمية للولايات المتحدة بدأت نهاياتها تلوح في الأفق، ليس البعيد بل القريب، آخذين في الاعتبار المستجدات الكوكبية التي تتفاعل في أيامنا هذه.
وعندما نتناول جوانب القوة والضعف في البلدين نلحظ أنه بالنسبة للهند هنالك منحى استثماري فردي دونما تدخل من الدولة individual entrepreneurship، وبالنسبة للصين هنالك تركيز على التخطيط، وعلى وجه الخصوص التخطيط الشمولي، كما ذكر سابقا، لتفعيل بنياتها التحتية. وبالنسبة للهند تحتاج إلى التحول من كونها المكتب الخلفي للعالم إلى الريادة في الصناعة، والصين في حاجة لتوسيع اقتصادها الخدمي service economy.
ويعتبر العالم معتمداً على بعضه الآخر، أو بعبارة أخرى فإن العولمة في نمو مطرد، وفي مقدمة الدول المكرسة للعولمة: الصين والهند ودول آسيوية أخرى. وتحتاج أية دولة لكي تلعب لعبة العولمة، إن جاز التعبير، أن تفكر في الدور الذي عليها أن تقوم به، ليس مجرد التوازن، بل كمشارك نشط ومسئول، كما أن عليها ألا تظن بأن لديها وحدها جميع الإجابات الصحيحة.
ولنا أن نسأل ماذا لدى دول مجلس التعاون لدول الخليج من خطط اقتصادية منفردة أو مجتمعة في إطار المجلس؟ نحن في أمس الحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى خطط إستراتيجية اقتصادية تأخذ في اعتبارها المتغيرات والمستجدات الكوكبية المتفاعلة والقادمة، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
أستاذ الجغرافيا، جامعة الملك سعود، رئيس الجمعية الجغرافية بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية