الجزيرة - برلين
أكد صاحب السمو الأمير الدكتور تركي بن محمد بن سعود الكبير وكيل وزارة الخارجية للعلاقات المتعددة الأطراف أن المملكة العربية السعودية دعمت مسيرة السلام في الشرق الأوسط منذ انطلاقتها، ولها مواقف ثابتة وداعمة لكل الجهود الدولية الداعية إلى إيجاد حل شامل وعادل لهذه القضية وفق قرارات الشرعية الدولية.
وقال الأمير تركي خلال إلقائه كلمة المملكة في المؤتمر الثالث عبر الأطلنطي في برلين: إن دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للحوار بين الأديان لاقت صدى إيجابياً واسعاً لدى مختلف دول وقيادات العالم، باعتبار أنها تشكل خطوة مهمة وحكيمة من شأنها أن توجد قدراً كبيراً من التقارب والتفاهم بين مختلف الشعوب والأديان وتجنب ويلات الحروب والنزاعات.
وتحدّث سموه عن الأحداث في المنطقة وموقف المملكة منها.. وفيما يلي نص الكلمة:
سعادة السيد (رئيس المؤتمر)
سعادة السيد / برند كوبيج
أصحاب السعادة السيدات والسادة والحضور
أود في البداية أن أتقدم بالشكر لمعهد أبحاث السلام بفرانكفورت على دعوته، وتنظيمه لهذه الندوة المهمة بالتعاون مع مؤسسة (فريدريك ايبرت) في مدينة برلين العريقة، والشكر موصول للحكومة الألمانية على استضافتها أعمال الندوة، ولاشك أن وجود مثل هذه النخبة من السياسيين والمفكرين المشاركين وما قدموه من أفكار وتصورات منذ بداية هذه الندوة قد أثرت أعمالها ومناقشتها, وأسهمت بشكل كبير في إيجاد أرضية جيدة لرؤى مشتركة.
السيدات والسادة:
إن مستقبل الأمن في منطقة الشرق الأوسط من القضايا المهمة التي لا تقتصر أهميتها على هذه المنطقة فحسب، بل تتعداها إلى العالم كله باعتبار أن عالمنا المعاصر أصبح بفضل العلوم والتقنية ووسائل الاتصال الحديثة وغيرها، قرية صغيرة تتأثر جميع أجزائها ببعضها البعض، هذا إضافة إلى الأهمية التي تمثلها منطقة الشرق الأوسط من الناحية السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، والمصالح المشتركة والمترابطة لهذه المنطقة مع باقي دول العالم، الأمر الذي يحتم علينا جميعاً أن نتواصل دائماً بهدف إيجاد وتنمية روح الحوار التعاون والتفاهم فيما بيننا بما يخدم تحقيق الأمن والاستقرار العالميين لما فيه خير البشرية جمعاء.
إن تحقيق الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط يستوجب علينا أن ندرك المسببات الرئيسية لما تشهده هذه المنطقة من توترات وعدم استقرار؛ ليتسنى لنا بالتالي التفكير في الحلول المناسبة لها، وإنني على يقين بأنه ما من أحد منا يشك في أن أهم مسببات هذا التوتر الذي يلف بظلاله هذه المنطقة بل والعالم أجمع هو النزاع العربي - الإسرائيلي الذي طال أمده دون التوصل إلى حل أو تسوية عادلة له على الرغم من صدور العديد من قرارات الشرعية الدولية وتقديم العديد من المبادرات.
لقد اختار العرب السلام كخيار استراتيجي ويبذلون كل ما في وسعهم من أجل تسوية شاملة وعادلة لهذا النزاع، ولقد وقفت ودعمت المملكة العربية السعودية مسيرة السلام في الشرق الأوسط منذ انطلاقتها في مدريد عام 1991م ولها مواقف ثابتة وداعمة لكل الجهود الدولية الداعية إلى إيجاد حل شامل وعادل لهذه القضية وفق قرارات الشرعية الدولية، التي أصبحت فيما بعد مبادرة عربية بعدما تبناها مؤتمر القمة العربية في بيروت عام 2002م التي وضعت الأسس الشاملة والعادلة لإقامة السلام بين العرب وإسرائيل.
لقد ضمنت هذه المبادرة الأمن والاستقرار لكل دول المنطقة باعتبار أنها مبادرة متوازنة وتصب في مصلحة جميع تلك الدول دون استثناء، إلا أن عدم تجاوب الحكومة الإسرائيلية مع هذه الجهود والنوايا الحسنة، واستمرارها في التعنت وعدم الالتزام بقرارات الشرعية الدولية، إضافة إلى ما تقوم به من أعمال استفزازية وإقامة المستوطنات وبناء الجدار العازل وحصار غزة، واعتداءاتها المتكررة على المدنيين الفلسطينيين الأمر الذي يولد لديهم اليأس والإحباط ويدفعهم إلى مقاومة العدوان والتطرف؛ نتيجة ما يعانونه من ظلم وتنكيل، وانني لا أتصور أن أياً منا يجهل المسؤولية الواضحة التي يتحملها المجتمع الدولي بالتغاضي عن تمادي إسرائيل في ممارساتها العدوانية تجاه الشعب الفلسطيني. إنني لا اعتقد أن هناك أزمة إقليمية أخرى تماثل هذا النزاع في درجة تأثيره في بقية قضايا المنطقة وعلى السلم والأمن الدوليين، وأن عدم إيجاد حل شامل وعادل لهذا النزاع سيقود إلى تنامي روح الإحباط واستغلال الشعور باليأس لدى المواطن الفلسطيني من قبل دعاة الإرهاب وما يتبع ذلك من مخاطر تعيق مساعي التنمية والتحديث وتشتت جهود الإصلاح في هذه المنطقة التي يفترض أن تلعب دوراً حضارياً مهماً بدلاً من انشغالها بالنزاعات التي تستنفد طاقاتها وإمكاناتها.
السيدات والسادة:
إن من أهم التحديات التي تواجهنا في الوقت الراهن ظاهرة الإرهاب التي لم تعد مكافحتها شأناً محلياً ينحصر في دولة ما، وإنما تعدت ذلك لتصبح هدف المجتمع الدولي بأسره. ولاشك أن دعاة الإرهاب يستغلون تنامي مشاعر اليأس والإحباط الناتجة عن فشل المجتمع الدولي في حل النزاعات المزمنة على أسس من الشرعية الدولية في تحقيق مآربهم ونشر أفكارهم الهدامة. وترى المملكة أن مكافحة الإرهاب يجب أن تكون متعددة الجوانب لاستئصاله من العالم، فالجانب الفكري لا يقل أهمية عن الجانب الأمني في مكافحة هذه الظاهرة الخطيرة، وفي تقديرنا فإن تحقيق عنصر حاسم ضد الإرهاب يتطلب النجاح في تقويض الأفكار المتطرفة واقتلاع جذور البنية الأساسية التي تساعد الإرهابيين على نشر أفكارهم في المجتمع الدولي، وقد أكدت المملكة العربية السعودية في مناسبات عديدة إدانتها واستنكارها للأعمال الإرهابية أياً كانت مصادرها وأهدافها والعمل على استئصال الإرهاب من جذوره بكل أشكاله انطلاقا من المبادئ والقيم التي تؤمن بها، وفي هذا السياق فقد سبق واقترحت بلادي خلال مؤتمر مكافحة الإرهاب الذي دعت إليه المملكة وعقد بمدينة الرياض عام 2005م، إنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب تحت مظلة الأمم المتحدة؛ بهدف مساعدة الدول الأخرى في تبادل الخبرات والمعلومات والتنسيق في مكافحة هذه الظاهرة الخطيرة.
السيدات والسادة:
لقد حرصت حكومة بلادي على دعم كل الجهود الدولية لجعل منطقة الشرق الأوسط والخليج خالية من أسلحة الدمار الشامل وفي مقدمتها الأسلحة النووية، وفي تقديرنا فإن المعالجة الفعالة لمشكلة انتشار أسلحة الدمار الشامل تتطلب التخلي عن ازدواجية المعايير في التعامل مع هذا الموضوع، فإسرائيل هي الدولة الوحيدة التي لم تنضم إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية في المنطقة، بل وتملك ترسانة تحتوي على كل أنواع أسلحة الدمار الشامل التي لا تخضع مطلقا لأي شكل من أشكال الرقابة الدولية خصوصاً من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وإن استمرار الوضع بهذا الشكل من شأنه أن يعرض أمن واستقرار المنطقة إلى كثير من القلاقل، ويقف عائقاً أمام تحقيق التنمية والتطور.
السيدات والسادة:
إن موضوع الملف النووي الإيراني من الموضوعات المهمة والحساسة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، ونحن في المملكة العربية السعودية في الوقت الذي نؤكد فيه على حق جميع الدول في الاستخدام السلمي للطاقة النووية بما في ذلك الحصول على المعرفة والتقنية النووية السلمية، إلا أننا ندعو إيران وجميع دول منطقة الشرق الأوسط إلى احترام القرارات الدولية التي تنظم ذلك والالتزام بكل الضوابط والمعايير التي تفرضها الوكالة الدولية للطاقة الذرية بما يضمن تجنيب المنطقة كوارث أو مخاطر لا تحمد عقباها، كما نأمل أن يتم حل هذا الملف بالطرق الدبلوماسية والسلمية.
إن السعي إلى امتلاك أسلحة الدمار الشامل من شأنه أن يزيد من عوامل التأزم وعدم الاستقرار في المنطقة؛ ولهذا فإن تفهم المشاغل الأمنية ومصالح دول المنطقة ومحاولة معالجتها بالطريقة المجدية لهو السبيل الأفضل لتحقيق الأمن والاستقرار بدلا من السعي إلى امتلاك الأسلحة الفتاكة.
السيدات والسادة:
لاشك أن الأوضاع غير المستقرة في العراق برغم التحسن النسبي الذي تشهده البلاد حالياً يؤثر سلباً على أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي يتطلب معه بذل الإخوة العراقيين المزيد من الجهود وخصوصاً ما يتعلق بتحقيق المصالحة الوطنية على أساس من العدل والمساواة من كل أطياف الشعب العراقي وهو ما يمثل مفتاح الحل للأزمة العراقية.
وتؤكد المملكة العربية السعودية في هذا الخصوص أهمية دعم وحدة العراق والحفاظ على استقلاله وسيادته وقيام دول الجوار بتحمل مسؤولياتهم من أجل العمل على توحيد الصف ونبذ الطائفية وعدم التدخل في شؤونه الداخلية.
إن المملكة العربية السعودية ترى في العراق جزءا أصيلاً من الأمة العربية والإسلامية، وتقف على مسافة متساوية من جميع العراقيين وتتعامل معهم على قدم المساواة، وتؤيد وتؤازر كل الجهود التي تكفل وحدة العراق وسيادته على كل أراضيه والحيلولة دون حدوث أي تصنيف طائفي أو مذهبي أو عرقي يقود إلى تقسيم العراق أو تحويله إلى ساحة للأطماع الإقليمية والدولية، كما نتطلع لان يكون للأمم المتحدة دور أكبر في هذا الشأن.
السيدات والسادة:
لقد تابعنا جميعاً تطور الأوضاع في لبنان، ونجاح المساعي العربية التي بذلتها جامعة الدول العربية ودولة قطر وتوجت باتفاق الدوحة وما تمخض عنه من الاتفاق على إنهاء الوضع الذي كان متوتراً في هذا البلد، وانتخاب العماد ميشيل سليمان رئيساً للجمهورية اللبنانية، وقد دعمت المملكة الاتفاق المذكور حتى يتسنى للشعب اللبناني العيش بطمأنينة وسلام من خلال عمل المؤسسات الدستورية والحكومية والعودة الطبيعية للأوضاع مؤكدين ضرورة دعم هذه المؤسسات وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، الأمر الذي من شأنه أن يسهم في الاستقرار والأمن ودفع عجلة التنمية في لبنان بشكل خاص والمنطقة بشكل عام.
السيدات والسادة:
إيماناً من المملكة العربية السعودية بالدور المهم الذي يلعبه الحوار بكل أشكاله في إذكاء روح التفاهم والمودة وتجنب سوء الفهم والعداء بين الدول والحضارات انطلاقا من مبادئ الدين الإسلامي، فقد دعا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى عقد مؤتمر دولي يلتقي فيه كل ممثلي الديانات السماوية المختلفة والثقافات الأخرى لإيجاد أرضية مشتركة للتعاون والتفاهم فيما بين أتباع تلك الديانات والثقافات بما يكفل التعايش السلمي بين كل بني البشر على أساس من الاحترام المتبادل والفهم المشترك والتعاون البناء. ولقد قامت المملكة بالفعل في اتخاذ الإجراءات التحضيرية لعقد المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار، حيث تم عقده مؤخراً في مكة المكرمة خلال شهر يونيو الحالي، الذي ضم مختلف القيادات الإسلامية للاتفاق على الأسس الكفيلة بإنجاح مؤتمر حوار الأديان الذي سبق وأن دعا إليه خادم الحرمين الشريفين.
وفي هذا الإطار فقد أكد الملك عبد الله بن عبد العزيز خلال افتتاح هذا المؤتمر ضرورة أن يكون هذا اللقاء بمثابة دعوة إلى الانفتاح على العالم والتواصل مع الآخرين من خلال القيم المشتركة؛ بهدف خير الإنسان والحفاظ على كرامته، ونشر القيم التي تنبذ الخيانة والجريمة وتكافح الإرهاب وتؤسس لمكارم الأخلاق وتعزيز مفاهيم ترابط الأسرة وغيرها من القيم التي تساعد على تحقيق الأمن بمفهومه الشامل.
وقد صدر عن المؤتمر (وثيقة مكة) التي تبنت العديد من التوصيات ومن أهمها ضرورة التواصل بين الحضارات والثقافات بهدف إشاعة ثقافة الحوار وتركيزه على المشترك الإنساني والمصالح المتبادلة والعمل على تحقيق التعايش السلمي والأمن الاجتماعي وتحقيق العدل والمساواة بين شعوب العالم وحضاراته المختلفة والتعاضد من أجل إنهاء الحروب والصراعات والمشكلات الدولية والتحذير من الدعوات التي تتبنى صراع الحضارات لانعكاساتها الخطيرة على الأمن والسلم العالميين.
وفي هذا السياق فقد لاقت دعوة الملك عبد الله للحوار بين الأديان صدى إيجابياً واسعاً لدى مختلف دول وقيادات العالم باعتبار أنها تشكل خطوة مهمة وحكيمة من شأنها أن توجد قدرا كبيرا من التقارب والتفاهم بين مختلف الشعوب والأديان وتجنب العالم ويلات الحروب والنزاعات الناتجة عن الحقد والكراهية وسوء الفهم بما يخدم الأهداف والمقاصد النبيلة والعيش المشترك وإرساء روح التسامح والتعاون بين بني البشر.
السيدات والسادة:
لا شك أن ارتفاع الأسعار وتقلباتها في كثير من السلع الحيوية التي تشهدها الساحة الدولية يتطلب تضافر الجهود الدولية لمعالجتها بقصد تجنيب الكثير من اقتصاديات دول العالم العديد من الأزمات. وفي سبيل مواجهة هذه المشكلة العالمية وارتفاع الأسعار وتقلباتها في كثير من السلع الحيوية ومنها النفط فقد زادت المملكة من طاقتها الإنتاجية لضمان توافر الإمدادات البترولية وللحد من ارتفاع الأسعار بشكل غير طبيعي.
وإدراكاً من المملكة لأهمية تضافر الجهود الدولية لمعالجة مشكلة ارتفاع أسعار النفط بشكل عملي وواقعي بقصد تجنيب اقتصاديات العالم الأزمات ولضمان استمرار النمو الاقتصادي العالمي، فقد جاءت دعوة الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى الاجتماع العام للدول المنتجة والمستهلكة والشركات العالمية المعنية الذي عقد بجدة خلال هذا الأسبوع، بهدف مناقشة أسباب ارتفاع الأسعار وكيفية معالجتها بما يكفل إيجاد الحلول المناسبة ويسهم في دفع عجلة التنمية الاقتصادية العالمية.
وتأسيساً لما سبق، فقد أعلن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في كلمته الافتتاحية أمام اجتماع جدة الدولي للطاقة مبادرة (الطاقة من أجل الفقراء) التي تهدف إلى تمكين الدول النامية من مواجهة تكاليف الطاقة، ودعا في الوقت نفسه البنك الدولي إلى تنظيم اجتماع للدول المانحة والمؤسسات المالية والاقتصادية الدولية لمناقشة هذه المبادرة وتفعيلها، مؤكداً أن سياسة المملكة النفطية قائمة على تبني سعر عادل للبترول لا يضر المنتجين ولا المستهلكين وأن المملكة حريصة على مصالح العالم بقدر حرصها على مصالحها الوطنية. وقد لقيت بسبب هذه السياسة الكثير من الهجوم وتحملت الكثير من الأذى، وفي نفس السياق أطلق الملك عبد الله بن عبد العزيز خلال الاجتماع مبادرة أخرى بتخصيص مبلغ خمسمائة مليون دولار لقروض ميسرة عن طريق الصندوق السعودي للتنمية لتمويل مشروعات تساعد الدول النامية من خلالها بالحصول على الطاقة وتمويل المشروعات التنموية.
هذا وقد شدد البيان الختامي للاجتماع على ضرورة تحسين حال الشفافية في الأسواق المالية والتشريعات المتعلقة بها عبر العديد من الإجراءات التي تهدف إلى إتاحة المعلومات والبيانات الخاصة بأنشطة مؤشرات الصناديق المالية.
وفي الختام أشكركم على حسن استماعكم.