Al Jazirah NewsPaper Wednesday  25/06/2008 G Issue 13054
الاربعاء 21 جمادىالآخرة 1429   العدد  13054
كيف تتغلب الصين على التضخم؟
وينغ ثاي وو

إن ارتفاع معدلات التضخم يهدد الاستقرار الاجتماعي في الصين، حيث ارتفعت معدلاته من 3.3% في مارس- آذار 2007 إلى 8.3% في مارس- آذار 2008. ونتيجة لهذا قرر بنك الصين الشعبي رفع أسعار الفائدة وزيادة متطلبات الاحتفاظ بالاحتياطيات لدى البنوك. والمهمة الصعبة التي تواجهها الحكومة الصينية الآن تتلخص في كبح التضخم على النحو الذي لا يؤدي إلى الإضرار بهدفها بعيد الأمد في مواصلة النمو الاقتصادي القوي. إلا أن المخاطر عظيمة.

إن التضخم السريع في الصين يعكس تصاعداً مماثلاً في معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي، من 11% في العام 2006 إلى 11.5% في العام 2007. والسبب التقريبي المحتمل وراء نمو الأسعار منذ منتصف العام 2007 يتلخص في ظهور مآزق الإنتاج الناتجة عن تجاوز الطلب المحلي للمعروض في عدد متزايد من القطاعات، مثل توليد الطاقة، والنقل، وصناعات السلع الوسيطة.

كما تسبب النمو القوي وارتفاع إجمالي الطلب في إحداث مآزق إنتاجية خارج الصين، وبصورة ملحوظة في قطاعي السلع الزراعية والتعدين، الأمر الذي ساعد في رفع أسعار النفط إلى ما يزيد على المائة دولار للبرميل. وبالإضافة إلى هذه المشكلات هناك عاملان آخران مسببان للتضخم: الأول، مرض الأذن الزرقاء PRRS الذي يقتل الخنازير - المصدر الرئيس للحوم في الصين - والعامل الثاني الأعاصير المروعة التي ضربت الصين في يناير - كانون الثاني وأدت إلى تقليص المعروض من الحبوب والخضراوات.

في مثل هذه الظروف سوف يكون من الخطأ الاستمرار في رفع تكاليف الاقتراض. فمن المؤكد أن الزيادة السريعة في إجمالي الطلب الصيني كانت راجعة إلى ازدهار الاستثمار، فضلاً عن نمو الفائض التجاري. وعلى هذا فإن تخفيض معدلات التضخم سوف يتطلب تخفيض معدلات نمو عنصري الطلب هاذين (إن لم يكن مستواهما). ولكن يتعين على صناع القرار في الصين أن يزيدوا من تركيزهم على تقليص الفوائض التجارية وأن يقللوا في الوقت نفسه من تركيزهم على تقليص الإنفاق على الاستثمارات - وهذا يعني أنهم لابد وأن يؤكدوا على رفع قيمة العملة الصينية، وليس على رفع أسعار الفائدة، من أجل تهدئة الاقتصاد الصيني.

إن تخفيض إجمالي الطلب بصورة ملموسة عن طريق رفع قيمة العملة الصينية أمر ممكن ولا يشكل تصرفاً متهوراً بالضرورة، وذلك لأن فوائض الحساب الجاري في العام 2007 كانت 9.5% من الناتج المحلي الإجمالي. ولا ينبغي للاستثمار (وبصورة خاصة في البنية الأساسية في المناطق المتأخرة والاستثمارات الاجتماعية) أن يتحمل وطأة اختصار الإنفاق، وذلك لأن استثمارات اليوم تشكل أيضاً نمواً للقدرة الإنتاجية في الغد؛ وإنتاج المزيد من السلع في الغد من شأنه أن يخفض من معدلات التضخم.

إن استغلال رفع قيمة العملة الصينية كأداة رئيسة لمكافحة التضخم يعني ضمناً قبول ارتفاع مؤقت في معدلات البطالة الآن في مقابل معدلات بطالة أقل في المستقبل. وهذا لأن الصادرات المصنعة تتطلب أعداداً كبيرة من العمالة مقارنة بالمشروعات الاستثمارية. وهذا يعني أن انخفاض الصادرات بواقع مليار رينمينباي صيني من شأنه أن يتسبب في ارتفاع معدلات البطالة إلى مستويات أعلى مقارنة بتخفيض الإنفاق على الاستثمارات بواقع مليار رينمينباي. إلا أن توسع القدرات في الغد نتيجة لاستثمارات اليوم يعني زيادة دائمة في عدد فرص العمل التي ستتوفر في الغد.

ولكن يتعين على الصين أن تكون حريصة حين ترفع قيمة الرينمينباي. ويتعين على صناع القرار أن يراقبوا بكل دقة التغيرات المحتملة في الظروف الاقتصادية في دول مجموعة البلدان السبعة. إذ إن الركود العميق في الولايات المتحدة نتيجة لأزمة الرهن العقاري الثانوي من شأنه أن يؤدي إلى انخفاض ملموس في صادرات الصين وانخفاض أسعار النفط وغيره من السلع الأساسية. وعلى هذا فإن رفع قيمة الرينمينباي بنسبة ضخمة الآن سوف يشكل مبالغة كبيرة في المستقبل.

فضلاً عن ذلك، يتعين على السلطات أن تدرك أن رفع قيمة الرينمينباي ليس من المرجح أن يؤدي إلى تخفيف التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين. ولنتذكر معاً تجربة تقريع اليابان أثناء فترة ثمانينيات القرن العشرين، حين انخفض مجمل سعر صرف الين في مقابل الدولار في نهاية العام من 248 في العام 1984 إلى 162 في العام 1986، ثم إلى 123 في العام 1988. وعلى الرغم من انحدار إجمالي فوائض الحساب الجاري لدى اليابان بصورة ملموسة، من 3.7% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 1985 إلى 2.7% في العام 1988، إلا أن إجمالي عجز الحساب الجاري في الولايات المتحدة لم ينخفض إلا من 2.8% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 2.4%، وذلك لأن الشركات اليابانية بدأت في الاستثمار في المنشآت الإنتاجية في جنوب شرق آسيا بغرض التصدير إلى الولايات المتحدة. وعلى هذا فقد استمر تقريع اليابان تحت قناع جديد: المطلب الإضافي بضرورة إزالة اليابان (للمعوقات البنيوية) التي تعترض سبيل الاستيراد.

نستطيع أن نقول باختصار إن رفع قيمة الرينمينباي بصورة كبيرة من شأنه أن يقلص بصورة ملموسة من العجز التجاري الثنائي بين الولايات المتحدة والصين، فضلاً عن إجمالي الفوائض التجارية لدى الصين، إلا أن ذلك لن يفيد في تخفيض إجمالي العجز التجاري لدى الولايات المتحدة. ونظراً لغياب احتمالات رفع قيمة كل العملات الآسيوية، والسياسات الأميركية الجامدة، فقد لا يتسنى تخفيض إجمالي العجز في الحساب الجاري لدى الولايات المتحدة إلا بحدوث حالة من الكساد العميق. والحقيقة أن رفع قيمة الرينمينباي لن يساعد إلا في تهدئة الاقتصاد الصيني المحموم. والميزة هنا تكمن في إمكانية تحقيق هذه الغاية دون الإضرار بالقدرة الإنتاجية للصين في المستقبل.

*رئيس مجلس إدارة (القرن الجديد) New Century لشؤون التجارة الدولية والاقتصاد، وكبير زملاء معهد بروكينغز. «خاص بالجزيرة»



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد