قرأت مقالي يوم أمس الأول الذي انتهى بالمقارنة بين مسلسل نور وعنترة بن شداد. اتصف بالغموض. لم يعبر بالضبط عما رميت إليه. كان أكثر تخصصاً وتوجهاً إلى النخبة. لا أرتاح للكتابة للنخبة في جريدة يومية. كانت زلة قلم. ما قصدته بالضبط يتعلق بالميلودراما. زيادة جرعات الخيال والأحداث غير الواقعية لإشباع العواطف المنهكة من الحياة اليومية. يحتاج الإنسان إلى وقت راحة. يبتعد فيها عن حقيقة واقعة. يحتاج إلى أحلام يقظةٍ يشارك فيها الآخرين. لاحظت أن أكثر ما يثير النساء في مسلسل نور على سبيل المثال كثرة تودد البطل الوسيم (مهند) لزوجته وغزله الذي لا ينقطع. شاب بهذه الوسامة يطارد حبيبته ويغازلها بالكيفية التي تريدها المرأة. غزل لا يمكن أن يحصل في الحياة العادية إلا في حالات استثنائية تسم أصحابها بالسذاجة. الحياة اليومية الخالية من الإنتاج والمشاركة في صنع العالم تجعل المرء بعيداً عن الواقع. أهم عامل للبقاء في الواقع هو النجاح فيه. المرأة في عالمنا خالية شغل ومقصاة عن المشاركة في المسؤولية ولا تملك فرصة التعبير عن طموحاتها. تفرض عليها الظروف أن تعيش على مركزية الرجل. النجاح الذي تفخر به هو نجاح أبيها أو زوجها أو شقيقها. الثراء الذي تفخر به هو ثراء ذويها من الرجال. مثل هذا الإنسان (رجل أو امرأة) يبحث في الخيال عن مصدر نجاح عاطفي. المرأة تحديداً تبحث عن رجل بمثل وسامة مهند وبمثل رغبته واهتمامه وتودده تبحث عما يؤصل علاقتها بهذا العالم الذي فرضته الثقافة على خيالها. مسلسل نور والمسلسلات المكسيكية تملأ فراغ العواطف التي تركت في إشباع حقيقي. لا أريد أن أتحدث عن الجانب الأخلاقي للعملية. فالنصائح تملأ الأسماع, كلما ازدادت النصائح ازداد ميل الناس للهروب من الواقع. إذا لم يتصاحب الجانب الأخلاقي مع حرية الاختيار تتحول الأخلاقيات إلى قيد وثقل ثم تصير أحد الدوافع الأساسية لرواج مسلسل مثل مسلسل نور.
يتبع هذا عنصر مهم جداً. النظر إلى الدراما والأعمال التلفزيونية كونها تعبير عن الواقع. لم يتعود الناس على اعتبار الفن جزءاً من المتعة. عمل خيالي لا قيمة فعلية لما ينطوي عليه من تشابه مع الواقع ولا قيمة أيضاً لجرعات الأخلاق التي يمد الناس بها. مازلنا حتى الآن نطالب الفن بوظيفة اجتماعية ونصائحية ووعظية. أن يكون محتواه حقيقياً أو تعبيراً عن الحقيقية ويختتم بكلمة إرشاد تلخص الهدف الذي نفذ من أجله. هذا يقود إلى تصديق الأساطير والأوهام. يعرف كثير من الناس أن قصة عنترة بن شداد بعيدة كل البعد عن الواقع. ربما حدث أن عاشت شخصية من الشخصيات في عصر مضى تشبه عنترة في بعض خصائصها ولكن العشق والبطولات والمآسي وغيرها صنعها صانعو الأساطير. كاتب لا يختلف عن مؤلف مسلسل نور. نور لا يمكن أن يكون حقيقياً لا من حيث محتواه الأخلاقي أو العاطفي. إذا صدقت أن عنترة يقاتل جيشاً من الفرسان الأشداء ويجندلهم واحداً تلو الآخر فصدق عندئذٍ أن رجلاً وسيماً لا شغل له سوى ملاحقة زوجته والتودّد لها.
فاكس 4702164
YARA.BAKEET@GMAIL.COM