إن التوجيهات الكريمة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - إلى الهيئة العامة للاستثمار، ورؤيته البعيدة للتخطيط السليم ودعم الاستثمار الاقتصادي والحث على تسهيل القوانين التشريعية، شجع الاستثمار الأجنبي من رؤوس الأموال العالمية تتجه نحو المملكة لبناء المدن الاقتصادية والصناعية والمعرفية - بمشيئة الله. وحتى تترجم الرؤية على أرض الواقع، عمدت الهيئة إلى برنامج عملي يعرف بـ 10* 10 للوصول إلى الهدف المنشود ويتضمن بناء المدن الاقتصادية وإنشاء المركز الوطني للتنافسية وجعل المملكة في مصاف أفضل عشر دول في العالم من حيث البيئة التنافسية للأعمال في عام 2010م.
ومن الأعمال المهمة التي قامت بها الهيئة، إنشاء جهاز متخصص للإشراف على المدن الاقتصادية لمتابعة تنفيذ المشاريع وتذليل العقبات التي تواجه المستثمرين والتنسيق مع الجهات الحكومية ذات الصلة تحت مظلة المجلس الاقتصادي الأعلى. كما هيأت الهيئة مراكز الخدمة الشاملة وتنظيم إجراءات دخول المستثمرين ومساعدتهم للحصول على التراخيص مع الجهات ذات العلاقة وتحديد مواقعهم في المدن الاقتصادية.
فقد دشن خادم الحرمين الشريفين مشاريع تجاوزت قيمتها إلى 130 مليار ريال يوم الأربعاء 7 جمادى الآخر لعام 1429هـ لمدينة الملك عبدالله الاقتصادية والتي تعتبر نواة لمشاريع اقتصادية ومعرفية تحمل في طياتها مدن ذكية ترتكز على مقومات التقنيات المتقدمة لخدمة الوطن والمواطن. وقال خادم الحرمين الشريفين في كلمة سجلها بهذه المناسبة (إننا نعول الكثير على هذه المدينة لتكون مشاريعها الحالية والمستقبلية إضافة نوعيه لاقتصادنا الوطني من خلال تهيئتها للبيئة المناسبة لجذب الاستثمارات وتوطيد التقنية عبر الشراكة مع المؤسسات الاقتصادية الرائدة في الوطن والعالم وتوفير فرص العمل للمواطنين).
كثير من هذه المشاريع استقطبت العديد من الجهات المتخصصة في مجال المعرفة والتطور التقني لإنشاء قواعد معرفية واقتصادية مرتبطة بالعالم بواسطة شبكة الانترنت. فمفهوم المدن الذكية الاقتصادية والمعرفية، تتمحور أنشطتها حول أربعة عناصر أساسية وهي: الحاسوب والبرمجيات - العادية والذكية - والانترنت والأقمار الصناعية.
بالنسبة إلى الحاسوب فقد لعب دوراً بارزاً خلال القرن الماضي بتطوير عدة مجالات، اعتبر ثورة حاسوبية شملت تخصصات الهندسة والعلوم والطب وغيرها، كان لها الأثر الكبير في تغيير كثير من معالم الحياة الاجتماعية والصناعية والاقتصادية. ولم يقتصر الحاسوب على سرعة الفائقة لمعالجة البيانات وحل المسائل الرياضية المستصعبة، بل برز جانب مهم آلا وهو أداؤه الذكي الذي ظهر في تخصصات عديدة، منها الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence)، والتصور العلمي Visualization) (Scientific والواقع الافتراضي (Virtual Reality).
أما بالنسبة إلى الإنترنت، تعتبر تقنية نهاية القرن الماضي التي فتحت آفاقا جديدة للقرن الواحد والعشرين والتي تهدف إلى خدمة البشرية عن طريق تطوير الوسائل التقليدية المتبعة سابقاً، وصياغتها في إطار جديد يسهل جمع وربط المعلومات من أماكن مختلفة ووضعها أمام المستفيد لاتخاذ القرارات المناسبة. أما الأقمار الصناعية توفر تقنية نظم تحديد الموقع على الأرض (Global Positioning System-GPS) وتجول حول الأرض بصورة مستمرة على مدار الأربع والعشرين ساعة لتسلم وإرسال المعلومات. فهذه التقنيات بداية للنظر لمفهوم الحياة بمنظور آخر للاستفادة من المعلومات ونقلها للعالم بطريقة حديثة مما يجعل الأمر مهم في صياغة اجتذاب الخبرات من الجامعات والمعاهد والشركات في جميع أنحاء العالم للاستفادة منها لمصلحة المملكة. فهنالك العديد من الجهات المختصة في مجال الأبحاث والتطبيقات أهمها، معهد التطبيقات للذكاء الاصطناعي في جامعة ادنبره (The University of Edinburgh) في بريطانيا يقوم على تعزيز الأبحاث والتطبيقات في مجال الذكاء الاصطناعي لخدمة الصناعة والتجارة والجهات الحكومية، بينما جامعة سدني (The University of Sydney) في أستراليا تتميز بمركز الإدراك وتصميم الحاسبات الرئيسة (Key Centre of Design Computing and Cognition) والمعروف عالمياًً في مجال الواقع الافتراضي (Virtual Reality) في المشاريع الهندسية وكيفية الاستفادة منها قبل البدء في المشاريع واستخدام الذكاء الاصطناعي في التصميم والتخطيط العمراني والتصاميم المعمارية.
كما يعتبر معهد ماستشوستس للتقنية(Massachusetts Institute of Technology -MIT) في الولايات المتحدة من الجامعات المتميزة في تقنية الذكاء الاصطناعي ولديها القدرة والمعرفة في الأبحاث والتطبيقات، إضافة إلى جامعة كارقني ميلون (Carnegie Mellon Universit)) المتميزة في كثير من الأبحاث في مجال تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الهندسة وغيرها.
هذه المدن الاقتصادية الذكية التي تبناها خادم الحرمين الشريفين بداية لعصر جديد لتحقيق طموحات وآمال المواطنين التي لها دور تنموي واقتصادي واجتماعي، سوف توفر - بإذن الله - قرابة نصف مليون فرصة عمل ولتتبوأ المملكة مكانة متميزة بين دول العالم الصناعي.
المشرف العام على إدارة المدينة الجامعية بالدمام - جامعة الملك فيصل
mnjadid@yahoo.com