يعيش في المملكة أكثر من ثمانية ملايين نسمة من جنسيات مختلفة تمتد تقريباً على مستوى العالم، من أقصى أمريكا إلى أقصى الصين، يشاركون في كل نواحي الحياة تقريباً، تشاهدهم في كل مكان، دخلوا البيوت, وصلوا حتى غرف النوم والمطبخ، يعرفون من التفاصيل العملية والأسرية ما لا يعرفه كثير من السعوديين عن أنفسهم. لا يمكن لأي سعودي أن يعيش كامل يومه دون أن يحتك بعدد من هؤلاء، ولا يمكن أن يؤمن عيشه كاملاً دون مساعدة من هؤلاء. أصبحوا جزءاً من نسيج الحياة السعودية على المستويات كافة. رغم كل هذا تنتهي علاقة غير السعودي بالسعوديين مع نهاية المهمة أو العمل الذي جاء من أجله، في المطعم أو في الورشة في الشارع. علاقة السعوديين بهم كعلاقتهم بالآلات التي يستخدمونها. بعد العمل وانتهاء المهمة لا تتبعها أي علاقة شخصية أو اجتماعية. لا يختلط السعوديون بهم حتى في الحفلات العامة ولا حتى في المآتم. لو تجولت في شارع مثل شارع التحلية بالرياض ستشاهد حقيقة القطيعة. كل شلة تقتصر على جنسية واحدة. شلل الشباب السعودي، شلل الأشوام، شلل الفلبينيين شلل الأوربيين. لم أشاهد مجموعة شباب سعوديين يصاحبهم شاب غير سعودي. (الكورة) وهي هوس الشباب في كل مكان نراها تقتصر في المملكة على الجمهور السعودي. من الصعب أن تشاهد في ملعب مكتظ مثل استاد الملك فهد شباباً من جنسيات غير سعودية؛ تشجيع الفرق السعودية مقتصر على الشباب السعودي. سألت عدداً من غير السعوديين عن (الكورة) في السعودية فلاحظت أنهم لا يعرفون حتى نتائج المباريات المهمة والحساسة. بصراحة لا يعرفون حتى الفنانين السعوديين, لا يعرفون حتى أسماء الوزراء السعوديين، فضلاً عن الأدباء والمفكرين وموجهي الرأي, لا يعرف أكثرهم بنية المجتمع السعودي وتركيبته وتقسيماته المناطقية مع أن كثيراً منهم عاش معنا عشرات السنين. ستلاحظ أن الجاليات العربية على سبيل المثال لا تلتقط في حياتها الطويلة بيننا مفردات سعودية أو كلمة عامية سعودية، بل إن السعودي إذا أراد أن يتحدث مع عربي غير سعودي تراه يتحدث معه بلهجته. يتحدث مع المصري بالمصري واللبناني باللبناني, وإذا تحدث مع أجنبي ركيك العربية لا يصر السعودي على الحديث معه باللغة العربية بل يحاول أن يتحدث معه باللغة الإنجليزية، وإذا اضطر أن يتحدث معه بالعربي تحدث معه بلغة عربية ركيكة أسوأ من اللغة التي يتحدث بها ذاك الأجنبي.
انتقلت هذه القطيعة إلى وسائل الإعلام. تابعت الصحف السعودية مؤخراً مع تركيز على أخبار غير السعوديين فاكتشفت ظاهرة محزنة جداً. لا ترد أخبار غير السعوديين في الصحف السعودية إلا في صورة سلبية. معظمها تتعلق بالجرائم التي يرتكبها هؤلاء. لا تلتفت لهم الصحف إلا عندما يرتكبون الأخطاء. لا يوجد لهم أخبار تفاعلية تخصهم وتخص حياتهم في المملكة. الذي يتابع الجرائد السعودية لن يصدق أن السعودية تستضيف أكثر من ثمانية ملايين أجنبي. كيف تشكلت هذه القطيعة؟ سؤال لا أستطيع الإجابة عليه الآن، ولكنه يستحق التأمل. من يرغب مناقشته يتفضل بزيارة مدونتيwww.albakeet.com
فاكس 4702164
Yara.bakeet@gmail.com