دخلت إلى مدرستنا وفي يدها أوراق، وفي اليد الأخرى طفلٌ رضيع، يمسك بعباءتها آخر كأنه يخاف أن يتوه في زحام الدنيا!
كانت تحمل جوعها وجوع أطفالها، وتثبت ذلك بمستندات رسمية لتحصل على ما يسد الرمق!
قالت: أريد ورقة للجمعية الخيرية!
أشارت إليها إحدى المعلمات وقالت: هناك غرفة الإدارة!
ذهبت، وقلت في نفسي يا الله، فقر وفضيحة بين عباد الله!
ماذا لو بقيت هذه المرأة الحرة في بيتها وجاءتها المساعدات إلى دارها!
ألا يكفي ذلُّ الفقرِ حتى تسانده مذلة الدوران على الدوائر الحكومية لأخذ أوراق تثبت أن هذا المواطن يستحق مساعدة الجمعية الخيرية!
أما آن لنا أن نرفق بهؤلاء المحتاجين ونقدم لهم المساعدات سرًا ليكون ذلك عونًا لهم على التعفف وعزّة النفس؟!
عجبت لحال هذه الجمعيات الخيرية التي تقوم في الأساس على الدعم الخيري، ولكنَّها تبعد عن الخير عندما تفرض على الفقراء أن يقدموا لها ما يثبت استحقاقهم! بينما من المفترض ألا يتقدم لها أي مواطن ويطلب منها أي مساعدة بل هي التي تسعى لتقديم المساعدات سرًا لمن هم بحاجة لها!
فماذا لو كنا مجتمعًا مترابطًا يشعر الجار بجاره ويتلمس حاجاته ويبلغ الجمعيات الخيرية عن ظروفه وبدورها الجمعيات ترسل مندوبيها وتقدم المساعدة حسب الاحتياج!
ولكن ما يحدث الآن يريح الموظف في الجمعيات الخيرية، حيث لا يكلف الموظف نفسه إلا البحث في الأسماء المسجلة لديه، ومع أن أسماء الأسر المحتاجة مسجلة لديهم، إلا أنه لا بد لهذه الأسر من إحضار ما يثبت أن لديهم أبناء في المدارس لتقدم لهم الجمعية الدعم والمساعدة الخاصة بطلاب المدارس كالملابس ومستلزمات الطالب المدرسية!
فهل في هذا مراعاة للقيم الإسلامية التي تحث على التعفف وعدم سؤال الناس؟!
ثم ما حال من لا يستطيع أن يهين نفسه ويذهب للجمعيات ويقدم لها ما يثبت أنه بحاجة للمساعدة؟!
الفقر لا يحتاج دليلا ولا إثباتا، هو دليل على نفسه، ماثلا للعيان في البيوت، والوجوه متلبسا بالعزة أو الذل، مهينا لكرامة الإنسان أو مرتفعا بها فوق سياط الجوع والعري.
ذاك ما رأته عيناي في تلك المرأة التي تطلب أوراق إثبات لفقرها وفقر أبنائها، إن هيأتها أكبر دليل على فقرها، فهل عميت الأبصار، أم عميت البصائر!
noraalomran@hotmail.com