في أيامنا هذه هناك مشكلة كبرى في المجتمع وتتلخص بأن تقليد الآخرين بات أمراً شائعاً بين الناس علماً أن التقليد لا يؤدي أبداً إلى نتائج طيبة لأن لكل مجتمع خصوصياته وثقافته ومفاهيمه، والحالة هذه إذا قلد الإنسان غيره وقارن نفسه به فإن هذا يعني أنه يتقمص خصوصيات الآخرين وثقافتهم ومفاهيمهم ويأتي بها إلى بلده. تلك الأمور التي لا تنسجم ولا تتوافق مع ما لديه من تراث وتتناقض مع سنة الله في خلقه إذ إن الله لم يخلقنا لأن نكون متشابهين، وقد أعطى لكل منا ما يناسبه في حياته، ومن المستغرب أننا نجد مثلاً أن حب التقليد يجعل المواطن العربي يرتدي ثياباً حتى إذا كانت لا تريحه، وفي هذا المجال علينا أن نحافظ على طبيعتنا التي فطرنا الله عليها وألا نحاول تبديل ذلك الدور الذي خلقنا الله له.
يروى أن حاكماً كان لديه حديقة كبيرة تحتوي على كافة أنواع الأشجار والأزهار والطيور والحيوانات، وفي أحد الأيام أراد أن يقوم بجولة في حديقته فذهب إليها ولكنه لم يجدها كما كان يتأمل إذ إنه يعتقد بأنه سيرى حديقة يسودها الجمال، يسمع فيها أصوات العصافير الجميلة، ويمتع نظره بألوان الأزهار المختلفة والأشجار الباسقة المثمر منها وغير المثمر، كان يتصور أن يرى الأسود في نشاطها والفيلة وسط بركة الماء تغتسل وتستحم والطيور تنتقل من غصن إلى آخر مغردة ومسرورة.
لدهشته الكبرى وخيبة أمله وبينما كان يسير وهو ينظر يميناً وشمالاً، شاهد أن هناك أشجاراً ذابلة وحيوانات هزيلة وأزهاراً في طريقها للذبول ولا ينطلق منها شذى عطري وطيوراً غير قادرة على الطيران، المشهد حزين ومحير، ماذا جرى حتى وصلت الحديقة إلى تلك الحالة، البستاني كان يقوم بواجبه خير قيام والمياه متوفرة والعناية كاملة، ومع ذلك فقد كان هناك ما يشير إلى موت عدد من الأشجار والأزهار والشجيرات وبعض الطيور والحيوانات.
جاء إلى شجرة البلوط التي ظهرت عليها علامات الذبول وسألها عن سبب حالتها، فقالت له أنها تموت لأنها حاولت أن ترتفع في السماء كشجرة الصنوبر فالتفت إلى شجرة الصنوبر التي كانت تحني رأسها دلالة على أنها في طريقها إلى الموت وسألها عن أمرها، فقالت له إنها حزينة لأنها حاولت أن تحمل عنباً مثل شجرة الكرمة التي كانت تتسلق على شجرة ولكنها بدأت في التوقف عن التسلق والذبول وسألها لماذا لم تتابع تسلقها ونموها، فقالت له إن حزنها قد شل حركتها وأوقفها عن النمو لأنها لم تتمكن من أن تزهر كالورد.
انتقل إلى قسم الحيوانات ونظر إلى أحد الأسود الذي كان يجلس في زاوية عرينه كئيباً ولا يستطيع أن يتحرك فقال له لماذا أنت في هذه الحال؟ فقال له رغم قوتي ولكني حاولت أن أكون كبيراً مثل الفيل ولكني عجزت عن ذلك رغم أنني أتناول ثلاثة خراف يومياً فانعكس فشلي على صحتي ونظر إلى الفيل ووجد أنه يحاول الوصول إلى بركة الماء للاغتسال ولكنه لم يتمكن من ذلك ولما سأله عن سبب تدهور صحته قال له إني منزعج من ضخامة جسمي وقد حاولت أن أكون سريع الخطى مثل الغزال ففشلت ولهذا وصلت إلى ما أنا عليه من السوء، ووقع نظره على سلحفاة هامدة لا تستطيع أن تتحرك وكان جوابها عند السؤال أنها رغبت أن تطير مثل النسر ولكنها عجزت وكان ذلك العجز سبباً في مرضها وقرب وفاتها.
وبعد سيره الطويل وقع نظره على شجرتي ليمون وبرتقال وكانتا في أجمل صورة.. لقد كانتا مزهرتين ورائحة شذاهما تنتشر في كل مكان حولهما، منظرهما يسر العين ويثلج القلب ويترك السكينة والهدوء في النفس، خضرة أوراقهما تشير إلى أنهما في حالة سليمة وأما أزهارهما بلونيهما الأبيض وعطرهما البديع فإنها تخالف مشهد المجموعات الأخرى من الأشجار، وفي هذه اللحظة تحول حزن الحاكم إلى بهجة وغبطة ونظر إلى شجرة الليمون واستفسر منها عن سبب نضارتها وكيف أنها أزهرت ذلك الزهر الجميل وبرائحته الطيبة، فابتسمت ابتسامة جميلة وقالت له يا سيدي، عندما زرعتني اعتبرت أن الأمور مسلم بها بأنك أردت بذلك راحة القلب للجميع ولو أنك أردتني شجرة بلوط أو ورد أو كرمة لكنت قد زرعتني على ذلك الأساس ولذلك فكرت في نفسي وقلت بما إنني لا أستطيع أن أكون شيئاً آخر غير نفسي فإني سأحاول ألا أتجاوز كينونتي بقدر ما أستطيع وسأبقى شجرة ليمون، وعندما سأل شجرة البرتقال تلقى نفس الجواب الذي حصل عليه من شجرة الليمون، وأضافت أن سعادتها تنحصر في معرفتها بأنها لن تتمكن أن تتحول إلى أي شجرة أخرى لأن الله أرادها هكذا.
وعندما سمع الحاكم أجوبة شجرتي الليمون والبرتقال عرف أن الشجرات والكائنات الأخرى من أسد وفيل وسلحفاة كانت تموت لأنها تقارن نفسها بعضها ببعض فقال يجب على الإنسان أن يفكر بحب الآخرين واحترامهم فقط عليه أن يقنع بما أعطاه الله لأن الله قد اختاره لأن يكون ممثلاً لذاته فقط وعليه ألا يكون صورة طبق الأصل عن غيره بل عليه أن يكون كما أراده الله أن يكون.. إن الإنسان موجود في هذا الكون لأن هناك حكمة أرادها الله بوجوده ولا يمكن أن تتحقق تلك الحكمة إلا بأن يكون الإنسان كما هو بذاته وكما خلقه الله في أفضل صورة لنفسه إذ إنه ليس هناك إمكانية بأن يكون أي شخص آخر غير نفسه، يمكنه أن يتمتع بما هو عليه وأن يزهر كالزهر ويحيا سعيداً أو أن يذبل ويموت إذا تذمر من وضعه.