هل الثقافة سلعة رائجة في علمنا المعاصر؟ أو هكذا ينبغي لها أن تكون؟ وهل من القصور في النظرة إلى الثقافة أن نظل نراها في طيات الكتب أو في صفحات المجلات أو عبر وسائل الإعلام المختلفة؟ وبعدها نحكم على ثقافتنا بالرواج أو الانتشار؟
أسئلة كثيرة تتردد، وربما تراودك أحياناً فتصل بينك وبين نفسك إلى أحكام ومسلمات قد تكون صائبة أو يجانبها الصواب في ضوء مقدمات الحكم أو مسلمات القضية التي تؤمن بها.
فإذا ما قرأت مثلاً أن عدد الإصدارات في عالمنا العربي لا يصل إلى حجم ما يصدر في دولة واحدة كإسبانيا، أو أن ما تمت ترجمته من كتب الغرب إلى لغتنا منذ العصر العباسي لا ينافس ما ترجمته إحدى دول الغرب في عام واحد، إذا ما قرأت ذلك أو تعايشت مع أخبار الآداب والفنون المختلفة عند غيرنا وقارنته - وأنت محايد - مع واقع ثقافي تتأمله من كل جوانبه، فإنك قد تصل إلى أحكام وقناعات تؤكد لك أزمة ما تعانيه ثقافتنا العربية.
وإذا ما انتقلت من العمومية إلى الخصوصية إلى ثقافة وطننا فإنك قد تجد نفسك في حيرة من الأمر، فهذا إنفاق سخي على كافة جوانب حياتنا الثقافية وذلك اهتمام يزيد وبشكل ملحوظ على المكونات المنظورة من الحياة الثقافية من تعليم وآداب وعلوم وفنون وإعلام وأجهزة ثقافية وتشجيع للمبدعين المتميزين، ومع ذلك فكثيراً ما نقرأ أو نسمع عن أزمة الثقافة فهل حقاً هناك أزمة؟ وما نوعها؟ وما مكوناتها؟ لست هنا في مجال لمناقشة موضوع متعدد الجوانب، عميق الجذور عبر مقال صحفي وإلا ظلمنا أنفسنا ولم نوفِ الموضوع حقه على الرغم من أهميته القصوى، إن مثل هذا الأمر يحتاج للإجابة على تساؤلاته دراسات مستفيضة تتحرى الدقة في البحث والموضوعية في الطرح والحيادية في التناول، كما أنه يحتاج إلى أفكار رجالات الثقافة وأصحاب الرأي والمتخصصين بل والمختصين والمستفيدين من ثمرات العمل الثقافي حتى تكون الإجابات واقعية والمناقشات أجدى والنتائج صحيحة معبرة.
ولكن التهيئة لمثل تلك الدراسات أو المؤتمرات - إن لزم الأمر - يتطلب منا قدراً كبيراً من المصارحة مع أنفسنا وبخاصة في مجال التعريف بثقافتنا السعودية الأصيلة والإعلام عن مكنوناتها ومكوناتها بين دول العالم.
وبهذه المناسبة فإن المهرجان السنوي بالجنادرية وقد صار علامة بارزة في التعريف بالثقافة السعودية وأصبح تظاهرة ثقافية سنوية قد استطاع أن يصبح من خلال أنشطته ومن مناسبته مركز إشعاع ثقافي ناطقاً باسم المملكة العربية السعودية ومعبراً عن الجوانب المشرقة في ثقافتنا الأصيلة في الماضي والحاضر، كما استطاع أن يجمع حول ثقافتنا بجوانبها المضيئة مختلف المفكرين والمهتمين من أنحاء العالم وبذلك تمكن هذا المهرجان أن يمد الجسور ويوطد العلاقات ويكشف الغطاء عن ثقافتنا الخالدة وقيمنا الراسخة القائمة على سماحة الإسلام ووسطيته مما أسهم في تغيير نظرة مثقفي العالم إلينا، وإذا كان واجب الشكر والتقدير والثناء نرفعه إلى مقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين على رعايته لهذا السفير السعودي المقيم الذي خدم ثقافتنا وقضايانا، فإن الشكر لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز واجب على ما يبذله من جهود من أجل هذا المهرجان ليؤتي ثماره شهية في ميادين الثقافة المختلفة.
ولكن هل أداؤنا في التعريف بثقافتنا في خارج الحدود يؤدي واجبه ومهامه بمثل هذه العبقرية التي يُعبَّرُ عنها كل عام في الجنادرية؟
إن الإجابة عن ذلك السؤال المطروح تحتاج إلى أن نتمعن تصريحاً لأحد أصحاب الفخامة رئيس دولة استضافت أسبوعاً ثقافياً سعودياً على أرضها حين قال: (إننا نعرف كثيراً عن الثقافة السعودية). وأن كان هذا محل فخر واعتزاز لنا فإنه في المقابل يشير إلينا بضرورة اختيار البلدان التي نقيم فيها مناسباتنا الثقافية الخارجية من معارض ومهرجانات وأسابيع ثقافية حتى ننشر بين دول العالم ثقافتنا ونعرّف بها غيرنا ممن يجهلون حضارتنا أو لا يقدرون واقع نهضتنا المعاصرة. أما أن تقام هذه الأسابيع أو المهرجانات في دول هي شقيقة أو صديقة أو عزيزة علينا وتعرف عنا الكثير والكثير بحكم التواصل الثقافي علاوة على وحدة الدين التي تسمو علاقته وفق كل علاقة وصلة فإن الأمر يحتاج إلى وقفة لاختيار أي الأنشطة أنسب في هذه الحالات، في إطار برنامج التعاون الثقافي الذي هو من الاتساع والشمول بحيث تسمح لنا بحرية الحركة وتعدد المناشط التي يمكن انتقاؤها بعناية ترشيداً للجهود وتوفيراً للإنفاق، وحتى نوجد فرصاً أفضل لحسن اختيار البلدان التي نقيم فيها برامج التعاون الثقافية بما يتناسب وحرص الدولة على التعريف بثقافتنا الأصيلة وجوانبها المضيئة وواقعنا المشرف الناهض في هذا العهد الزاهر، ولذلك تصبح ثقافتنا سلعة رائجة في سوق الثقافة العالمية.