البحوث العلمية والدراسات سبيل إلى الوقوف على الحقائق والمعلومات التي تبنى من خلالها الخطط والبرامج التي تسدد العمل وتجعله يترقى إلى درجات الكمال، ويقاس اليوم نجاح الأفراد والمؤسسات بقدر وضوح الأهداف وصحة المعلومات المتوفرة عن جوانب القوة والضعف والاحتياجات والإمكانات والتحديات وسبل التغلب عليها، ومن يقف اليوم على جهود الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذا المجال يجد أن الرئاسة ممثلة بمركز البحوث قد خطت خطوات رئيسة في هذا الشأن، وسبقت مراكز بحوث أخرى، فخلال مدة قصيرة طرح المركز العديد من المشروعات البحثية الرئيسة التي تمس واقع العمل الذي تقوم به الهيئة بغية تقويم العمل وتصحيح الفهم عن وظيفة الهيئة ومهمة الحسبة في المجتمع، وإن حفظ المجتمع وصيانته مسؤولية عظمى تتقاسمها جهات متعددة في الدولة، بيد أن للهيئة نصيبها المتميز في هذا الحفظ والصيانة فهي تقوم في الأصل على الحسبة. إن تأهيل المحتسب والوقوف على احتياجات والمشكلات التي تعترض عمله إنما يستقيم إذا بني على أسس علمية ودراسات وأبحاث وهو ما سعت إليه الهيئة، وليس بمستغرب أن تقوم بذلك، حيث إن غاية المسلم أن يتقن كل عمل يقوم به انطلاقاً من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)، وإذا كانت كل مؤسسة جادة تسعى إلى جودة إنتاجها وحسن عرضه وإقناع الناس به، وتقيس كل ذلك باقتناء الناس لما تنتجه، وتقيم أعمالها وأنشطتها تبعاً لذلك، فإن الهيئات لها نصيبها من ذلك مع اختلاف في المضمون وطريقة العرض والاقتناء، ولذلك كان من المهم الاستفادة من الطرائق كافة والأساليب المتاحة لإنجاح أعمالها، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها، ومن هنا ينبغي الوقوف على الأسباب المعينة على تجاوز كل خلل وإصلاحه من خلال البحث والتقويم المستمر، والعصر الحاضر أحوج ما يكون إلى تطوير التنظيم في الجانب البشري حيث يمثل الجانب البشري في الهيئة العنصر المهم، فلا تقوم حسبة بدون محتسب، ولا يكون محتسبون إلا بإعداد وتأهيل وتدريب وتقويم، وإن رقي الأمة وعزتها ونهضتها يبدأ من كل غيور يأخذ بيد كل من يخطئ من أفراد المجتمع ويدله على مواطن الخطأ بأسلوب مؤثر بليغ ووسيلة تناسب الوقت والحال، فيكون المخطئ من بعد ذلك لبنة صالحة في بناء المجتمع، وتطوير المحتسب لعمله وأخذه بأسباب القوة قوة لحجته وتأثيره، وهو قوة من بعد للمجتمع، فلا ينبغي أن يكون المحتسب منكفئا على نفسه في أمره ونهيه بل ينطلق إلى الآفاق الرحبة والميادين الفسيحة، في ضوء هدي الكتاب والسنة، ولابد أن ندرك أنه لن تتحصن الأجيال ويحفظ المجتمع بإذن الله إلا بمحتسبين قادرين على إدراك طبيعة العصر الذي يعيشون فيه وإلا فإن الناس سيكونون ضحية عوامل الهدم وهي كثيرة ولاسيما في هذا العصر، وإن من الواجب أن تبارك خطوات الرئاسة في مشروعاتها البحثية التي لم تشخص حال المجتمع والظواهر السيئة التي تقلق كل غيور فحسب، بل سعت إلى تشخيص مشكلات العمل وسبل تطويره، ومن المؤمل أن تثمر هذه الدراسات والأبحاث وأن يستفاد من نتائجها وتوصياتها في سبيل تحقيق أمن المجتمع وسلامته من الشرور والآفات والله الموفق.
* قسم الدعوة بجامعة الإمام