لقد ابتليت هذه الأمة نتيجة لتفرقها واختلافها بفتنتين كبيرتين ومحنتين عظيمتين هما: فتنة الإرجاء وفتنة التكفير.
أما فتنة الإرجاء فحمل لواءها مبتدعة استهانوا بحرمات الله تعالى وعظموا البشر أكثر من تعظيمهم للنصوص الشرعية.
يقتاتون بأعراض الصالحين والمصلحين، ويرتزقون بأذيتهم، ويحاولون الصعود على أكتاف غيرهم.
فيهم من الحمق والغفلة، والحقد والضغينة ما اسودت به قلوبهم وغشى على أبصارهم، واستغلهم منافقون حاقدون، لهم مشاريع تخريبية في بلاد المسلمين، وتغيير دينهم وإبطال شريعتهم وإفساد نسائهم وأولادهم.
تحالف فيه أهل الشر والإفساد وتواصوا على الإثم والبغي والعدوان وتعاونوا على أهل الخير والصلاح والإصلاح.. {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ}.
أما الفتنة الثانية فهي فتنة التكفير، وقد حمل لواءها قوم لم يأخذوا من العلم والحكمة حظهم، وكان فيهم من حماس الشباب وتهورهم ما أدخلهم المضايق، وانتهى بكثير منهم إلى المهالك، فكفروا الحكومات ولم يصغوا إلى العلماء ولا راعوا المصالح والمفاسد، ثم أتبعوا التكفير بالتفجير، فعمدوا إلى بلدان المسلمين الآمنة، فأفسدوا فيها وفجروا وراح ضحية لأعمالهم الخاطئة وآرائهم الفاسدة أناس لا ذنب لهم، فيهم رجال ونساء وأطفال قد عصم الله تعالى دماءهم بالإسلام فأهدروها هم بلا حق.
وكانوا من حيث لا يشعرون عوناً لأعداء الإسلام من الكفار والمنافقين على الطعن فيه، والنيل من عباد الله الصالحين، وما تكاد تقع بلية منهم في بقعة من البقاع المسلمة الآمنة إلا طار بها فرحاً الكفار والمنافقون، ووجل منهم المؤمنون والمصلحون.
وقد نتج عن تخريبهم في بلاد المسلمين مفاسد جمة، وتعطلت به مصالح عظمى ومن له علم بالشريعة يرفض ذلك ويأباه؛ لأن الشريعة جاءت برعاية المصالح وتحصيلها، ودرء المفاسد وتعطيلها.
وواجب على المسلم طاعة إمامه في المعروف والنصح له، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، والتعاون معه على البر والتقوى، والصبر في ذلك.
وحرام عليه أن يشق عصى الطاعة أو يفارق الجماعة، روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من خلع يداً من طاعة الله لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) رواه مسلم.
هاتان الفتنتان العظيمتان أعني فتنة الإرجاء والتكفير متقابلتان فلا توجد إحداهما في بلد من البلدان إلا وجدت الأخرى في إثرها، وواجب على المصلحين أن يسعوا في القضاء عليها جميعاً.
* الرياض