المفترض أن النقد هدفه الإصلاح والبناء والتقويم السليم، بأسلوب حضاري راقٍ في الطريقة والنوعية، أما عكس ذلك فالأمر لا يعدو أن يكون قدحاً أليماً لا يقدم بل يؤخر كثيراً في كل شيء: في العلاقات الإنسانية، وفي إصرار الطرف الآخر على رأيه، وفي تربصه الدوائر بصاحب النقد القاسي.
ولو أن كل شخص فكر ملياً في عدة معايير ضرورية قبل أن يتوجه بالنقد لغيره لما تسرع في نقده، وأول هذه المعايير: هو وضعه لنقده في الميزان الأخروي وفيما يرضى الخالق عنه لا المخلوقين، وليس مجرد غثاء دنيوي لا يقدم ولا يؤخر، بل هو أشبه بالسؤال الساخر البائد: أيهما أسبق الدجاجة أم البيضة؟! حيث مضت العقود والقرون ولم يجد المتجادلون جواباً شافياً حاسماً؟!
وأما ثاني هذه المعايير النقدية العادلة فهو السؤال الذي يوجهه الناقد أو الناقدة لضميريهما وهو: هل يرضى أن يوجه مثل هذا النقد إليه؟ حيث إن واقع الحال يكشف أن كثيراً من الناس إن لم يكن جميعهم لا يطيق أن يوجه له نقد أبداً، حتى لو كان ممن هم أكبر منه علماً وعمراً ومقاماً، بل هو يقدم سوء النية في هذا الأمر ويستدعي نظرية المؤامرة، وتسري فيه عقدة الاضطهاد.
لكن حينما يتأتى له نقد الآخرين فهو رسول العناية الإلهية، وهو مصلح الكون، وهو العارف الذي لا يعرّف، ورأيه لا يقبل الجدل والمناقشة والأخذ والرد، بل يسلق أمثال هؤلاء المتشدقين غيرهم بألسنة حداد!
مع أن أهم مقومات النقد الأخلاقي ألا يصر المرء على رأيه، والسبب لأنه مجرد رأي بشري قاصر، قابل للصواب والخطأ، لاسيما إذا كان رأياً دنيوياً، فبعض ثوابت الأمس أصبحت هشيماً تذروه رياح اليوم.
إن من أهم قواعد الخلاف الإسلامي تتلخص في المقولة الخالدة: كلّ يؤخذ منه ويردّ إلا صاحب الغرفة النبوية صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك كان يقول: أنتم أدرى بشؤون دنياكم، فلم يكن يدخل في جدل دنيوي عقيم أبداً، بل كان يحذر منه دائماً، ويبشر من تركه بقوله: (أنا زعيم ببيت في الجنة لمن ترك الجدال ولو كان محقاً).
من الواضح أن الحلقة المفقودة في صلاح العلاقات الإنسانية وديمومتها هو أن يضع الإنسان نفسه مكان الآخر قبل توجيه النقد إليه، ويتذكر نصيحة الهدي النبوي: (أحب لأخيك ما تحب لنفسك)، فهل نحن قادرون؟!
g.al.alshaikh12@gmail.com