د. حسن الشقطي(*)
أغلق سوق الأسهم هذا الأسبوع عند 9688 نقطة رابحاً 27 نقطة تقريباً. ورغم أن المؤشر قد ابتدأ أسبوعه على صعود قوي يوم السبت الماضي ربح فيه 104 نقطة، إلا أنه عاود مساره الأفقي تقريباً ما بين خسارة طفيفة وربح ضئيل حتى إغلاق الأربعاء. ويأتي ذلك في ضوء حالة اللا تأكد التي أدى إليها إعلان شركة تداول عن مشروعي تعديل وحدة تغيير السعر ونشر قوائم كبار الملاك.. ومن جانب آخر، فقد استمر الطلب على سهم الإنماء في ظل حالة التفاؤل بمعاودة وصول سعره إلى 21 ريالاً، مما أدى لبروز نوع من الحيرة الشديدة لدى كثير من المساهمين في المفاضلة بين سهمي الإنماء وزين، وخاصة أن كثيراً من المكتتبين لا يزالون متمسكين بسهم زين حتى الآن.
ومن جانب آخر، فقد أحرز المؤشر هذا الأسبوع صعوداً لم يعيقه سوى الاصطدام يومي السبت والثلاثاء بمقاومة عنيفة عند 9842 نقطة تقريباً، إلا أنه أغلق الأربعاء على خسارة بنحو 78 نقطة.
وقد جاءت قطاعات الأسمنت والتشييد والبناء على رأس القطاعات الخاسرة هذا الأسبوع.. ويتزامن ذلك مع بدء التكهنات حول نتائج أعمال النصف الأول للشركات المدرجة بالسوق.. فلماذا هذه الخسائر؟ هل هي لجني أرباح؟ أم أن هناك ما يبرر بعض التكهنات السلبية حول نتائج أعمال هذه القطاعات؟ وهل للمتغيرات الاقتصادية مثل شح بعض المنتجات بالسوق المحلي دور حقيقي في انحدار قيمة قطاعات مثل الأسمنت والتشييد والبناء؟ ولماذا يستجيب السوق دائماً للمؤثرات السلبية سريعاً حتى ولو لم تكن حقيقية، في حين أن استجابته تأتي متأخرة دوماً للمؤشرات الإيجابية؟ أليس الترخيص لمشاريع في مدينة جديدة وواحدة يعتبر محفزاً كافياً لقطاعات مثل الأسمنت والتشييد والبناء لكي يتم ضمان الربح فيها خلال السنوات المقبلة؟
ربح الإنماء وتحرك سابك
لم يستقر سهم الإنماء في السوق حتى الآن، حيث أغلق على 19.5% رابحاً 11.4%، لتصل ربحيته منذ الإدراج إلى 95%.. وينبغي أن نذكِّر بأن المستثمرين في السهم حتى الآن لم يؤسسوا مواقعهم، وأن كافة عمليات التداول على السهم تقوم حتى الآن على أغراض مضاربية لتحقيق الاستفادة القصوى من الشهر الأول من تداول السهم، فالجميع يترقبون معاودة السهم لمستوى 21 ريالاً التي لامسها يوم الأحد الماضي، بل إن البعض يترقب مستوى 25 ريالاً هذا الشهر. إلا أن هذا الأسبوع شهد تنافساً قوياً ما بين سهم زين والإنماء للاستحواذ على أعلى قيمة تداول، فرغم أن زين قاربت على شهرها الثالث في السوق، إلا أنها لا تزال تجتذب الكثير من المساهمين لدرجة أن بعضهم يضاهي جاذبيتها بسهم الإنماء الذي لم يكمل يومه الثامن في السوق. أيضاً أعطت سابك هذا الأسبوع إشارات لإمكانية التحرك الأسبوع المقبل.
أزمة الأسمنت تقود إلى خسائر كبيرة
لا يزال قطاع البتروكيماويات من أعلى القطاعات الاستثمارية الرابحة هذا الأسبوع بنسبة 1.2%، يليه قطاع الاتصالات بنسبة 0.7%، ولكن إذا كان هذان القطاعان القائدان ربحا نسباً كهذه، فكيف خسر المؤشر معظم مكاسبه في بداية الأسبوع؟ لقد تفجّرت أزمة ترتبط بسوق مواد البناء وخاصة الأسمنت، التي هزت على ما يبدو المساهمين في هذه الشركات، وربما تخلى بعضهم عن استثماره فيها تحسباً لخسارتها في المستقبل القريب حتى خسر الأسمنت 4.5% من قيمته وخسر قطاع التشييد والبناء 5.5% من قيمته.. حيث أثيرت ضجة كبيرة حول أن السوق المحلي لا يستوعب التراخيص الجديدة لمصانع الأسمنت.. ويبرر هؤلاء وجهة نظرهم بأن الطاقات الجديدة التي تبلغ 45 مليون طن عندما تضاف إلى الطاقات الحالية البالغة 22.7 مليون طن ستؤدي إلى انفجار تنافس شديد بين المنتجين سيضر بمستويات الأسعار، وبالتالي فإن الجميع سيخسرون.. إلا أن هذا المنطق غير صحيح، حيث إن هؤلاء يرغبون في بقاء الوضع الاحتكاري الذي يقوم على تعطيش السوق لاستمرار رفع الأسعار، كما يرغبون.. إنهم يتجاهلون المستجدات في السوق المحلي، يتجاهلون المدن الست الاقتصادية الجديدة وحجم الإنشاءات الضخمة التي تتطلبها.. إن الأزمة الحالية إنما هي أزمة قلق منتجين.. إن وضع صناعة الأسمنت يختلف عن وضع صناعة الاتصالات التي يؤدي دخول منافس جديد على استقطاع من حصة الشركات القائمة، لأن المصانع الحالية للأسمنت لم تتمكن حتى الآن من تغطية كافة الطلبات عليها.. وإلا فكيف ارتفع سعر كيس الأسمنت من 14 إلى 21 ريالاً خلال فترة وجيزة؟.. إن أزمة الأسمنت مفتعلة وغير حقيقية ولا تعتبر مثبطاً للخروج من شركات رائدة وستبقي ريادتها، حيث إن الشركات الجديدة لن يكون في مقدروها منافسة الشركات القائدة (باستثناء التقنية) نظراً لضخامة رؤوس أموالها وإمكانياتها البشرية. وبالتالي فإننا نتوقّع عودة قوية لقطاع الأسمنت قريباً لمستويات قبل الهبوط. إلا أننا نعلم بأن صعوده فوقها قد يكون ضعيفاً.
عدم تجاوب السوق مع المحفزات
أحد مساوئ السوق التي لم يستطع التخلص منها من عهده القديم (عهد الفقاعات) هو الانفصال الكبير بين المعطيات الاقتصادية المحلية وبين أوضاع الشركات في السوق.. إلا أن هذا الانفصال هو انفصال نوعي، بمعنى أن السوق دائماً وبسرعة يستجيب للمؤثرات السلبية، في حين أنه يتباطأ وقد لا يستجيب للمحفزات الإيجابية.. فقبل يومين تم الإعلان عن تدشين خادم الحرمين الشريفين لمشاريع جديدة بمدينة الملك عبد الله الاقتصادية بقيمة 130 مليار ريال.. الأمر الغريب أن السوق في نفس يوم صدور الخبر خسر 78 نقطة، وجاءت الخسائر كبيرة في قطاعات مثل الأسمنت والتشييد والبناء.. أي أن المتداولين والسوق ككل استجابوا لأزمة الأسمنت ولم يستجيبوا أو يتأثروا بضخ الـ130 ملياراً، رغم أن الأخيرة يفترض أن تحرك العديد من القطاعات بالسوق، والتي من أبرزها الأسمنت والتشييد والبناء. بالطبع إن الذين يقودون السوق يقودونه بالشكل الذي يخدم مضارباتهم.. وبالتالي، فنحن نعلم أن القطاعات الخاسرة قد تم التجميع فيها، فكل سهم يباع هناك من يشتريه، ولكن الفرق أن الشراء يتم بأسعار متدنية.
بورصة توقّعات نتائج أعمال النصف الثاني
البعض يرشح قطاع الاتصالات والبعض الآخر يرشح قطاع التطوير العقاري وآخرون يرون أن هناك قطاعات جديدة يمكن أن تأتي على رأس الفائزين نتيجة متغيّرات سوقية وعالمية مرتبطة بها، وعلى رأس هذه القطاعات الأسمنت والتشييد والبناء نتيجة الغليان السعري المفتعل الذي تشهده أسواقهما. بالنسبة لقطاع الاتصالات، يتوقّع أن تقود ارتفاعاته شركة زين مع بدء توالي إعلانات تشغيلها والتي يبدو أنها تتضمن مفاجآت كبيرة للعملاء والشركات المنافسة، هذه المفاجآت يتوقّع أن تسحب سهم زين لمستويات سعرية جديدة، كما يتوقّع أن تعزّز من أسهم القطاع ككل على الأقل خلال الفترة الزمنية القصيرة التي يتحرّك فيها سهم زين. ولكن إذا كانت التوقّعات تدور حول إمساك زين بسعرها الجديد وحفاظها عليه، فإن إمساك المنافسين بأسعارهما الجديدة لا يبدو وارداً، وخاصة أن سهم كالاتصالات يبدو أنه متمسك بقوة بسعره الحالي ما بين 60 إلى 65 ريالاً. ولكن من جانب ثالث، فإن الأمر بالنسبة للسيولة الجديدة للمتداولين مختلف كلية، حيث إن العبرة ليست بالقطاعات المتوقّع لها أعلى ربحية بقدر ما يهم التركيز على الأسهم التي لم تحظ بارتفاعات كبيرة منها. فهناك أسهم مرشحة لنتائج أعمال إيجابية جداً، ولكنها استهلكت كامل هذه الإيجابية وأصبحت أسعارها متضخمة.
(*) محلّل اقتصادي
Hassan14369@hotmail.com