«الجزيرة» - عبدالله البراك
أكد عدد من الاقتصاديين أن السياسات النقدية والمالية في المملكة، بشكل عام، لم تتصف بالمرونة اللازمة للتكيف مع التطورات المتسارعة التي مر بها الاقتصاد السعودي، سواء فيما يتعلق بالحد من تقلبات سوق المال أو الحد من معدلات التضخم مشيرين إلى أنها مازالت تحت المستوى المأمول وأنها ضعيفة في التعاطي مع القضايا الاقتصادية.
وقال الدكتور عبدالرحمن السلطان في ورقة عمل بعنوان (تكيف السياسات النقدية والمالية للحد من تقلبات أسواق المال) شارك بها في أولى جلسات اليوم الثالث لملتقى ومعرض المال والأعمال في الرياض:
كان لنمو السيولة المحلية بمعدلات عالية جدا خلال الفترة من 2002 وحتى 2005 دور أساسي في ارتفاع سوق الأسهم بشكل حاد، فمتوسط النمو السنوي لعرض النقود خلال الفترة من 2002 وحتى 2005 بلغ 13% بينما لم يتعد متوسط النمو السنوي في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي خلال هذه الفترة 7%، مما تسبب في ارتفاع مؤشر السوق بحدة منذ عام 2002 وحتى الخامس والعشرين من شهر فبراير 2006 وبنسبة بلغت 749% ورغم هذا النمو في السيولة لم يتخذ ما يكفي من إجراءات للحد من نمو العرض النقدي، سواء من خلال طرح مزيد من الاكتتابات الأولية، أو بيع جزء من أسهم الدولة، أو حتى إصدار مزيد من السندات الحكومية. ولم تكن هناك أي مرونة في السياسة النقدية بما يتناسب مع متطلبات المرحلة.
وتابع: كان من الواضح جدا أن القروض الشخصية تنمو بمعدلات غير طبيعية ومع ذلك لم تتدخل مؤسسة النقد، وبعد أن كانت القروض الشخصية لا تتعدى 38 مليار ريال في 2001 وصلت في نهاية 2005 إلى 181 مليار ريال مشكلة 40% من حجم الائتمان المصرفي، وكان معظم هذه القروض مستثمر في سوق الأسهم، وبانهيار السوق خسر ملايين الأفراد مدخراتهم، وهذا هو أحد أهم أسباب حدة معاناتهم من ارتفاع معدلات التضخم حاليا وبعد توقف تدفق السيولة الفائضة إلى سوق الأسهم بانهيار السوق، توجهت هذه السيولة الفائضة إلى الاقتصاد الحقيقي، متسببة في نمو الضغوط التضخمية فمتوسط معدل النمو السنوي في عرض النقود منذ عام 2006 يتجاوز 19%، في حين أن نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي لم يتجاوز 6.3% خلال هذه الفترة ورغم استمرار تراجع سعر صرف الدولار أمام العملات الرئيسية في العالم، وفقده حوالي 30% من قيمته منذ 2002، إلا أنه لم يجر أي تعديل في سعر صرف الريال أمام الدولار، ما تسبب في مزيد من الضغوط التضخمية وكان اقتفاء اثر البنك الاحتياطي الأمريكي فيما يتعلق بأسعار الفائدة، نتيجة ربط الريال بالدولار، اضطرت مؤسسة النقد إلى إجراء تخفيض حاد في سعر فائدة اتفاقية إعادة الشراء العكسية، أو الربو العكسي، حيث يبلغ حالياً 2.25%، بعد ان كان في سبتمبر الماضي 5%. وبما أن معدل التضخم يزيد حاليا عن 10% فإن سعر الفائدة الحقيقي يبلغ حوالي -8%، وهو ما يغري بمزيد من الاقتراض، وبالتالي مزيد من الضغوط التضخمية في محاولة من مؤسسة النقد للحد من تأثير تراجع أسعار الفائدة، زادت المؤسسة عدة مرات نسبة الاحتياطي النظامي وصولا إلى نسبة 13% من الودائع الجارية و4% من الودائع الزمنية والادخارية، كما أبقت سعر فائدة اتفاقية إعادة الشراء، أو الربو، عند 5.5%، وهو سعر فائدة الاقتراض من مؤسسة النقد، بهدف ثني البنوك عن الاقتراض من المؤسسة. إلا أن كون البنوك تحتفظ حاليا بودائع لدى مؤسسة النقد تزيد حتى عن ضعف الاحتياطي النظامي، ففي شهر إبريل بلغت الاحتياطيات النظامية 43.4 مليار ريال في حين أن إجمالي ودائع البنوك لدى المؤسسة كانت 87.4 مليار ريال، فإنه ليس هناك أدنى جدوى لهذين الإجراءين في الحد من نمو السيولة أو تخفيف الضغوط التضخمية ومن ثم هناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات تحد أولا من فائض السيولة، ليكون لأدوات مثل نسبة الاحتياطي النظامي وأسعار الربو أي تأثير على قدرة البنوك على الإقراض وبالتالي على معدلات نمو السيولة، وهذا ممكن من خلال طرح جزء من أسهم الدولة في الشركات القائمة، إصدار مزيد من السندات الحكومية، وتخفيض معدلات نمو الإنفاق الحكومي والنمو الكبير في حجم الإنفاق الحكومي أحد أهم أسباب نمو السيولة المحلية، إلا أن ارتفاع نسبة الإنفاق الحكومي الاستثماري، بحيث أصبح الآن يشكل ما يزيد على 18 من إجمالي الإنفاق الحكومي بعد أن كان لا يتعدى 13% قبل عام 2005، قد تسبب أيضا في ارتفاع متسارع في تكلفة الإنشاءات، خاصة خلال الستة الأشهر الأخيرة وما لم يتم الحد من الإنفاق الحكومي الاستثماري، فإن تكلفة المشاريع الحكومية سترتفع بحدة ما يقلل من جدوى هذا الإنفاق أصلا، كما سيترتب عليه مزيد من الارتفاع في تكلفة الإنشاءات، ما سيحد من حجم الاستثمار الخاص في الوحدات السكنية، وبالتالي مفاقمة مشكلة ارتفاع الإيجارات خلال المرحلة المقبلة وكون الإيجارات، إلى جانب أسعار الغذاء أهم مكونات الارتفاع الحالي في معدلات التضخم في المملكة فإن استمرار مزاحمة الإنفاق الحكومي الاستثماري لاستثمارات القطاع الخاص، سيعني مزيدا من الضغوط التضخمية محليا.
من جانبه وصف المحلل الاقتصادي محمد العمران السياسة المالية والتي هي من مسؤولية وزارة المالية بالحكيمة وتعتبر ناجحة في تعاملها مع الوضع بخلاف السياسة النقدية التي مازالت دون المستوى في التعاطي مع القضايا الاقتصادية، ودعا العمران في حديثه للجزيرة البنوك الأجنبية إلى إثبات جديتها في الدخول للسوق السعودي مبيناً أن المنافسة مع البنوك المحلية لن تظهر آثارها بشكل سريع وتحتاج من ثلاث إلى خمس سنوات إلا أن هناك نتائج مبدئية جيدة.
وحول دوافع البنوك في زيادة رؤوس أموالها في الفترة الأخيرة أبان العمران أن زيادة رؤوس الأموال في البنوك تهدف إلى التوسع وتعويض ما فقد من حصص في السوق والوصول إلى موقع قيادي مثل بنك الرياض، وأعتقد أن المرحلة القادمة ستجبر فيها البنوك على التركيز على الجانب الاستثماري لاسيما وأن بند الاستثمارات يعتبر ثاني أهم بند في الأصول لدى البنوك.