«الجزيرة» - بندر الايداء
دعا عدد من الاقتصاديين لوضع إستراتيجية تهدف للاستفادة من الإيرادات النفطية خلال مدة زمنية محددة والعمل على استغلال ما لا يقل عن 30% منها وتوجيهها لقنوات استثمارية متنوعة لضمان موارد مالية تمكن المملكة من تقليص الاعتماد على النفط على المدى البعيد مشددين على اهمية أن تحقق المملكة التوازن بين المنافع والاهداف الاقتصادية الاستراتيجية التي تحقق لها استمرارية الاستقرار الاقتصادي والمالي والقدرة على جذب الاستثمارات الأجنبية وتحفيز الإنتاج بقصد التصدير.
وقال المحلل الاقتصادي فضل البوعينين للجزيرة: النفط هو المصدر الرئيس للطاقة العالمية وأي تغير في أسعاره العالمية ارتفاعا، انخفاضا أو ثباتا يمكن أن يؤثر في اقتصادات العالم، وقطاعات الإنتاج، ولكن يجب التنويه إلى أن بعض الدول المستهلكة، رغم شكواها المتكررة من ارتفاعات الأسعار، باتت تحقق مكاسب من النفط تفوق في مجملها مكاسب الدول المنتجة، بخاصة من خلال الضرائب المرتفعة التي تحملها براميل النفط. وقال: أعتقد أن أسعار النفط مرشحة للارتفاع خلال الأشهر القادمة بخاصة إذا ما استمرت التوترات السياسية والعسكرية في منطقة الخليج، واستمر المضاربون في أسواق النفط بالتلاعب في الأسعار لتحقيق مكاسب ضخمة بغض النظر عن كارثة تضخم الأسعار، ومصلحة العالم أجمع.
وابان البوعينين ان الدول المستهلكة تتأثر تأثرا مباشرا بارتفاع أسعار النفط عالميا، ويتأثر الاقتصاد العالمي أيضا بمستوى أعلى إذا ما أخذنا في الاعتبار التأثر الأكبر الذي يقع على الدول الصناعية الضعيفة، والدول التي تستورد كل ما تخصصه للاستهلاك المحلي. واضاف: أعتقد أن الدول الفقيرة، بخاصة الشرق أوسطية، أكثر المتأثرين جراء ارتفاع أسعار النفط نتيجة عدم تحمل ميزانياتها فواتير النفط المرتفعة، إضافة إلى ضعف اقتصاداتها، وتدني مستوى الدخل لدى المواطنين ما يجعلهم غير قادرين على توفير مصدر الطاقة الرئيس بأسعاره الحالية. وهنا يجب الإشادة بالدور السعودي الإنساني الذي اضطلع به الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير سلطان في تقديم معونات عاجلة لبعض الدول العربية المتضررة من ارتفاع أسعار النفط مساعدة لها في مواجهة الصعوبات.
وزاد: أي ارتفاع لأسعار النفط يعني زيادة في دخل الدول المنتجة إلا أن هذه الزيادة تتناقص بسبب ارتفاع معدلات التضخم العالمي. والدول الصناعية تتعامل بدقة مع أسعار النفط لذا نجد أن أسعار المنتجات العالمية تعكس في بعض جوانبها أسعار النفط، أي أنها تتجاوب طرديا معها. وللأمانة فأسعار المنتجات العالمية ارتفعت ارتفاعاً قياسياً لا يمكن أن نرجعه إلى أسعار النفط، فسعر البرميل الحالي رغم ارتفاعه إلا أنه ما زال مقوم بأقل من قيمته العادلة إذا ما أخذ في الاعتبار نسب التضخم العالمية، إضافة إلى أنه المصدر الرئيس لإنتاج جميع السلع العالمية.
وقال إن ارتفاع أسعار النفط يعني زيادة في دخل الدولة، ويساعد ذلك في زيادة معدلات التنمية، وهو ما حدث بالفعل في السعودية. فالقيادة الحكيمة ركزت على استكمال البنى التحتية وإنجاز المشروعات الضخمة وتلبية حاجات المواطنين الخدمية بعد أن توفرت لديها الأموال الكافية المتحصلة من مبيعات النفط المرتفعة. ومثل هذه القرارات التنموية الحكيمة يمكن أن تحافظ على الثروة وتعظمها من خلال استثمارها محليا في بناء الإنسان والمكان ليكونا مصدرا للثرة القادمة.
وقال البوعينين: إن النفط وسيلة لتحقيق الغايات الإستراتيجية بعيدة المدى، وهو ما يفرض وضع إستراتيجية تقوم على مبدأ التحرر من الإيرادات النفطية خلال مدة زمنية محددة. مضيفا إنه يمكن للمملكة أن تتخذ قرارا بتنحية ما يعادل 30% من إيراداتها النفطية السنوية تقوم خلالها باستثمارها لضمان الحصول على موارد مالية مستقلة تمكنها من الاستغناء عن نسبة لا يستهان بها من الإيرادات النفطية. مشيراً إلى ان المملكة لديها الكثير من مصادر الدخل غير المفعلة، والكثير من القطاعات الاقتصادية غير المطروقة تمثل في مجملها موارد مستحدثة لميزانية الدولة؛ إضافة إلى قطاع ضخم للاستثمارات العامة يمكن من خلاله تعظيم أرصدة الدولة وخلق إيرادات مالية قد تناهز في مجملها 40 في المائة من مجمل الإيرادات النفطية. مؤكدا ان ذلك يمكن من خلاله لقطاعي الصناعة والاستثمار تحقيق التوازن المنشود في إيرادات الدولة، وزيادة معدلات النمو وتطوير المجتمع بأكمله.
وقال دكتور الاقتصاد فهد بن جمعه في حديثه للجزيرة: إن ارتفاع أسعار النفط العالمية له اثر سلبي على اكبر اقتصاديات العالم وعلى الدول المصدرة ذات الطاقات الإنتاجية المرتفعة والاحتياطي النفطي الكبير في المديين القريب والبعيد، مبيناً أنه رغم أن تلك الارتفاعات تحقق فائضا في ميزانيات تلك الدول في الأجل القريب ولكن هذه نظرة قاصرة عندما يكون تأثير الأسعار النفطية في المدى القريب ايجابيا على ارتفاع معدلات التضخم التي نشاهدها ترتفع بشكل متسارع في دول الخليج وبخاصة السعودية ما يكون له انعكاس على رفاهية المواطن من حيث إضعاف قوته الشرائية وعدم كفاية دخله لسد حاجاته الضرورية وكذلك على أداء الأعمال في الاقتصاد حين نرى أن نمو أرباحها قد أصبح اقل من المتوقع نتيجة لارتفاع مدخلات الإنتاج وفي مكان آخر قد تسبب في تعثر العديد من المشاريع.
وقال: هناك ترابط بين ارتفاع التضخم وتوظيف العمالة ايجابيا لكن ما نشاهده في الاقتصاد السعودي هو العكس، مما يؤكد وجود فجوة بين الاقتصاد الكلي والجزئي. أما في المدى البعيد فانه سوف يحقق حلم الدول التي تبحث عن بديل لنفط يمكنها من استعمال الطاقة البديلة حتى ذات التكاليف المرتفعة لأن تلك الأسعار الحالية يمكنها من تحقيق عائد مجزي من تلك البدائل. كما انه لا يخدم مصالحتنا في السعودية حيث إننا نملك اكبر احتياطي في العالم أكثر من 260 مليار برميل ما يكفينا لأكثر من 70 عاما عند مستوى الإنتاج الحالي مع احتمالية زيادة الطاقة الإنتاجية إلى 12.5 مليون برميل في اليوم ما قد يتسبب في خسارة القيمة الاقتصادية لنفطنا في المستقبل. فان الأهم أن نوازن بين سعر الخصم لدخل النفط الآن مقارنة بـ 20 عاما من الآن.
واستطرد الجمعة: إن دعوة السعودية إلى اجتماع بين المنتجين والمستهلكين مؤشر هام يدل على اهتمام السعودية بموازنة العرض مع الطلب على النفط كما كانت تعمل في الماضي على إن سياستها تهدف إلى تحقيق أقصى عائد ممكن على استثماراتها دون الأضرار بمصالح المستهلكين فهي تتبع سياسة متوازنة طبقا لقدراتها الإنتاجية وحاجات عملائها في الدول الرئيسية المستهلكة لأكبر نسبه من نفطها. هذا الاجتماع سوف يكشف النقاب عن القوى التي تدفع بأسعار النفط إلى معدلات لم يسبق لها ما يمكن الدول المستهلكة من معالجتها أو على الأقل أن تكون مقتنعة من إن الدول المصدرة ليست احتكارية وليس بحوزتها ما تستطيع أن تعمله لخفض الأسعار إذا ما كان خارج سيطرتها. وهذه الدعوة قد أدت إلى انخفاض الأسعار إلى مستويات 131.31 دولار للبرميل.
وحول التعاطي مع القضية اشار الجمعة إلى إن على المملكة أن توازن بين منافعها الاقتصادية في الأجل القريب والبعيد وبين أهدافها الاقتصادية الإستراتيجية التي تحقق لها استمرارية الاستقرار الاقتصادي والمالي والقدرة على جذب الاستثمارات الأجنبية وتحفيز الإنتاج بقصد التصدير. وقال إن اختيار معدل نمو حقيقي مرتفع لا بد أن يكون له تكلفه كبيره تعادل نسبه التضخم الحالية ما يحدد التوازن الاقتصادي بين تعظيم المنافع وتقليص المساوئ.