Al Jazirah NewsPaper Friday  13/06/2008 G Issue 13042
الجمعة 09 جمادىالآخرة 1429   العدد  13042

هل يمكن أن تصنفنا تصرفاتنا من المرضى؟!!
د. عبدالرحمن بن سعد العجاجي

 

{ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}

هذا ما أراده الله للإنسان أن يكون غاية الحسن في خلقه وخلقه، في اعتقاده ومسلكه، في حياته وأخراه، وترتب على ذلك حقوق لكل إنسان وحرية لكل فرد، لكن حقوق الفرد وحريته تتوقفان عند ابتداء حرية وحقوق الآخرين، فالله جعل حاجة بعضنا عند بعض، فأمرنا بما يحقق هذه الحاجات بالمعروف، وأمرنا من خلال ذلك بتنظيم علاقاتنا بحيث لا ضرر ولا ضرار فنهانا عن التدخل السافر فيما لا شأن لنا به مما يخص غيرنا حتى وإن كان على مستوى النصح فإن ذلك يتطلب حنكة وحسن سلوك يقول الشافعي:

تعمدني بنصحك بانفراد

وجنبني النصح في الجماعة

فإن النصح بين الناس نوع

من التوبيخ لا أرضى استماعه

بعضهم يعيش في هذه الحياة وهو يدعو ربه ألا يجعله محتاجا إلى أحد ولسان حاله يقول: (اللهم أغنني بك عمن سواك) ولذا تجد اهتماماته مركزة على نفسه يصلح من شأنها ثم من شأن من يعول وله في الحياة رسالة تتمحور في بناء الأجيال الصالحة كلما وجد إلى ذلك سبيلاً، كل ذلك دون تدخل في شؤون الآخرين، ولذلك تكون رغبته في حماية الأشخاص الذين يهتم بهم، وكذلك تفاعله وتأثره بمشاكل الناس من حوله تكون وفق حدود لا تسمح له بالتدخل في الأمور الشخصية لهم- لذا يمكننا أن نستمتع بحياتنا إذا عرفنا رسالتنا تلك.

في المقابل عندما يكون تركيز بعضنا منصبا على متابعة تصرفات الآخرين وإهمال أنفسهم بعيداً عن (ابدأ بإصلاح نفسك) جعلهم يعيشون في قلق كبير وبالتالي أصبحوا أسرى للآخرين.. لذا أقول قد يكون أحدنا متحكما في تصرفات وسلوكيات شخص ما أو عدة أشخاص! بحيث تجد أن هذا الشخص همه الأكبر متابعة تحركاتنا وأقوالنا وتصرفاتنا وإنجازاتنا، وتشغل هذه الأمور حيزا كبيرا من تفكيره، دون علمنا، ثم يتضح الأمر والحقيقة التي قد نكتشفها بسبب موقف ما أو رسالة أو كلمة أو نظرة أو... وأتعجب كيف لم يخطر في البال ذلك التحكم الذي لم نكن نقصده أبدا، وأن هذا الأمر لم يكن له الأهمية والقيمة لدينا.

ولكن عادة تتبع الآخرين والانغماس في همومهم تمكنت من أشخاص حتى أصبحوا يصنفون على أنهم مرضى نسأل الله لهم الشفاء!!! وبدأ علماء النفس بإجراء الدراسات لمثل هذه الحالات ووضع تعريف لها، ولكن لم يتم التوافق في تعريف محدد فبعضهم يصف السبب وبعضهم يصف النتيجة.

لعلك قراءة ما كتبته (ميلودي بيتي) في كتاب (لا مزيد من الانغماس في هموم الآخرين) وإليك بعضا مما ذكر من تعريفات:

* ذكر (روبرت سوبي) في كتابه (الاهتمام المرضي بشئون الغير) إنها حالة عاطفية ونفسية وسلوكية تنمو نتيجة لتعرض الفرد لمدة أطول لمجموعة من القواعد الصارمة أو ممارستها.. وهي القواعد التي تمنع التعبير عن المشاعر مثلما تمنع المناقشة الصريحة للمشاكل الشخصية والمشتركة بين الأشخاص.

* إن القاسم المشترك في معظم الحالات هو ارتباط بعلاقة شخصية أو مهنية مع أناس مضطربين أم معتمدين على غيرهم أو محتاجين للآخرين.

* إنه يعني أن تبحث دائماً عن شخص للسيطرة عليه.

* إن الشخص الذي يهتم بشئون غيره هو من يسمح لسلوكيات شخص آخر بالسيطرة عليه، كما يصبح شغوفاً بمحاولة السيطرة على سلوكيات هذا الشخص.

لقد كتب الدكتور (وين دابليو داير) في كتابه المنطقية الخاطئة يقول (إذا كنت تعتقد أن الشعور بالاستياء والقلق لمدة كبيرة سوف يغير الحقيقة فإنك إذن تعيش على كوكب آخر له نظم مختلفة).

إن التفاعل مع المتغيرات بصورة غير مركزة ومدروسة هي إحدى أهم أعراض المرضى الذين يعانون الاهتمام بشئون غيرهم فتجدهم يتفاعلون بغضب ولديهم استعداد تام للتفاعل مع الطوارئ التي يعتقدونها فتجدهم يعملون أول شيء يخطر في بالهم دون التفكير فيه، ولذلك عندما يتفاعل هؤلاء الأشخاص بهذه الصورة فإنهم يهدرون جزءا كبيرا من طاقتهم وقدرتهم على التفكير المنطقي وبالتالي يسمحون للآخرين أن يحددوا لهم مسار السعادة.

إن من أهم ما يتصف به المهتمون مرضياً بشئون غيرهم أنهم قد:

* يعتقدون ويشعرون أنهم مسئولون عن الآخرين سواء عن مشاعرهم ومعتقداتهم وأفعالهم واختياراتهم ورغباتهم و..

* يشعرون بأنهم مضطرون ومجبرون على مساعدة الآخرين لحل مشاكلهم بتقديم نصائح غير مرغوب فيها.

* يشعرون بالغضب عندما تكون مساعدتهم غير فاعلة.

* يتوقعون احتياجات الآخرين.

* لا يعرفون ما يريدون ويحتاجونه ويشعرون بالأمان عندما يمنحون.

* يلومون الآخرين بسبب ما يقعون فيه من مشاكل.

* يقولون: إن الآخرين هم السبب فيما يشعرون هم به.

* يشعرون بالغضب وعدم التقدير وأنهم ضحايا الاستغلال.

إننا في حاجة إلى أن نكون جيدين تجاه أنفسنا وأن نتعاطف معها. إننا في حاجة إلى تقييم أنفسنا واتخاذ القرارات والاختيارات التي تقوي شعورنا بالاعتزاز بالنفس. أختم بهذه العبارات التي كتبها - ناثنيال براندن- في كتاب - تقدير الذات:

* لا يوجد حكم من الأحكام ذو أهمية مثل حكمنا على أنفسنا فهذا الحكم يمس وجودنا نحن.

* إن تقديرنا لأنفسنا يعني اننا نريد أن نفكر باستقلال وأن نعيش بعقلنا، وان تكون لدينا الشجاعة للتقدير وإصدار الأحكام.

* إن تقديرنا لأنفسنا لا يعني فقط أن نعرف ما نفكر فيه ولكن أيضاً ما نشعر به ونحتاجه.

* إن تقديرنا لأنفسنا أن نحب حياتنا وإمكاناتنا للتطور والاستمتاع وان نكتشف القدرات الكامنة التي وهبها الله لنا.


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد