Al Jazirah NewsPaper Friday  13/06/2008 G Issue 13042
الجمعة 09 جمادىالآخرة 1429   العدد  13042
ابني يستطيع رؤية العالم بعيني
د. سعد بن محمد الفياض

قرأت قصة مؤثرة لأحد الناجحين (حسب اعتقاده)!! يقول: (كان لأمي عين واحدة.. وقد كرهتها !.. لأنها كانت تسبب لي الإحراج.. وكانت تعمل طاهية في المدرسة التي أدرس فيها لتعيل العائلة.. ذات يوم في المرحلة الابتدائية جاءت لتطمئن عليّ، أحسست بالإحراج فعلاً كيف فعلت هذا بي؟!

تجاهلتها! ورميتها بنظرة مليئة بالكره !.. وفي اليوم التالي قال أحد التلاميذ: أوووه أمك بعين واحدة !! وحينها تمنيت أن أدفن نفسي وأن تختفي أمي من حياتي !! في اليوم التالي واجهتها: لقد جعلت مني أضحوكة، لمَ لا تموتين ؟؟!! ولكنها لم تجب! نعم لم أكن متردداً فيما قلت ولم أفكر في كلامي لأني كنت غاضباً جداً.. ولم أبالِ لمشاعرها.

غذوتك مولوداً وعلتك يافعاً.... تعل بما أجري عليك وتنهل

إذا ليلةٌ ضاقت بالسقم لم أبت.... لسقمك إلا شاكياً أتململ

كأني أنا الملدوغ دونك بالذي.... لدغت به دوني فعيناي تهمل

وأردت مغادرة المكان.. درست بجد وحصلت على منحة للدراسة في سنغافورة.. وفعلاً ذهبت.. ودرست.. ثم تزوجت.. وأنجبت أولاداً وكنت سعيداً ومرتاحاً في حياتي.. وفي يوم من الأيام أتت أمي لزيارتي ولم تكن رأتني منذ سنوات ولم ترَ أحفادها أبداً.. وقفت على الباب وأخذ أولادي يضحكون.. صرختُ: كيف تجرأت وأتيت لتخيفي أطفالي؟! اخرجي حالاً !! أجابت بهدوء: (آسفة.. أخطأت العنوان على ما يبدو) واختفت..

فلما بلغت السن والغاية التي.... إليها مدى ما كنت فيك أُأْمل

جعلت جزائي غلظة وفظاظة.... كأنك أنت المنعم المتفضل

وذات يوم وصلتني رسالة من المدرسة تدعوني فيها لحفلة (جمع الشمل العائلي ) فكذبت على زوجتي وأخبرتها أني سأذهب في رحلة عمل.. بعد انتهاء الحفلة ذهبت إلى البيت القديم الذي كنا نعيش فيه للفضول فقط !! أخبرني الجيران أن أمي توفيت.. لم أتأثر بل لم أذرف دمعة واحدة عليها !! قام بعض الجيران بتسليمي رسالة من أمي: (بني الحبيب لطالما فكرت بك.. آسفة لمجيئي إلى سنغافورة وإخافة أبنائك.. كنتُ سعيدة جداً عندما سمعت أنك سوف تأتي للاجتماع.. ولكني لا أستطيع مغادرة السرير لرؤيتك.. آسفة لأنني سببت لك الإحراج مرات ومرات في حياتك.. هل تعلم لقد تعرضتَ لحادث عندما كنت صغيراً وقد فقدت عينك، وكأي أم لم أستطع أن أتركك تكبر بعين واحدة، لذا أعطيتك عيني وكنت سعيدة وفخورة جداً لأن ابني يستطيع رؤية العالم بعيني.. مع حبي.. أمك) نعم إنها عيون الرحماء وهل هناك أعظم رحمة من رحمة الأم.. الأم بكل نبضاتها وبكل عواطفها وكل مشاعرها لا تنسى أبداً وليدها وطفلها أتنسى ثمرة فؤادها؟ أتنسى فلذة كبدها؟ إنه قطعة منها تمشي على الأرض.. حملتك في أحشائها تسعة أشهر وهنا على وهن وعند وضعك رأت الموت بعينيها ولكن لما بصرت بك إلى جانبها سرعان ما نسيت كل آلامها وعلقت فيك جميع آمالها بعد الله، رأت فيك بهجة الحياة وزينتها، ثم شغلت بخدمتك ليلها ونهارها، تغذيك نصحها، طعامك درها، وبيتك حجرها، ومركبك يدها وصدرها وظهرها، تحيطك وترعاك، تجوع لتشبع، وتسهر لتنام أنت، فهي بك رحيمة وعليك شفيقة.. هذه هي أمك وتلك هي طفولتك وصباك، فلماذا التنكر للجميل؟! وعلام الفظاظة والغلظة؟! كأنك أنت المنعم المتفضل.. أخيراً اغتنم فرصة حياتها وكن باراً بها شفيقاً عليها فالنبي - صلى الله عليه وسلم- يقول: رغم أنفه ثم رغم أنفه ثم رغم أنفه، قيل: من يا رسول الله؟! قال: من أدرك أبويه عند الكبر، أحدهما أو كليهما، ثم لم يدخلاه الجنة.









Saad.alfayyadh@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد