Al Jazirah NewsPaper Saturday  07/06/2008 G Issue 13036
السبت 03 جمادىالآخرة 1429   العدد  13036
حديث الأسبوع
هل يحتاج الدواء إلى دعاية وإعلان؟
د. محمد غياث التركماني

الإعلانات والدعاية في العالم اليوم امبراطورية هائلة لا يقدر على مقاومة إغرائها أحد. فأنت ترى مجلة مرموقة تفرد على غلافها إعلاناً كبيراً لسيجارة معروفة، وكل المنظمات والحكومات والمؤسسات لا تملُّ ليل نهار في محاربة التبغ والتدخين، لما له من آثار سيئة على الصحة والاقتصاد.

وأعتقد أنّ معظم الدعايات تخدم بالأساس غرضاً لا أرى فيه فائدة للمستهلك، بل لأصحاب السلعة والتجار أنفسهم. ومجالات الدعاية كثيرة ومتنوعة، ويبقى الترويج للبضائع هو الهدف الرئيس للدعايات كافة. فها هي سلعة كاسدة توصف بأنها رائعة واقتصادية، كمن يصف عوراء بأنّها حوراء فاتنة، أو أن يوصف مشروبٌ ما (بمشروب الطاقة (أو) عش حياتك (دون أن يذكروا بأنه مجموعة من الغازات والسكريات التي تضر بالأسنان والإنسان وترفع سكر الدم .. إلى ما هنالك من آثار سلبية أخرى.

وللأسف أنّ ما ينطبق على السلع التجارية، أصبح ينطبق على الدواء وأغذية الأطفال. فلقد شاهدت على إحدى الفضائيات إعلاناً عن دواء مسكّن للآلام وُصِف بأنه (الأستاذ). ولا أعرف إن كان هذا الدواء أستاذاً في تسكين الألم أم أستاذاً في إحداث أذية في الكلية أو الكبد. وكان من الأجدر أن يتم ذكر الآثار الجانبية الممكنة الحدوث لهذا الدواء، تماماً بجانب مفعوله وتأثيراته الإيجابية. ويبقى السؤال: هل تحتاج الأدوية إلى دعاية ؟ .. فالأدوية تؤخذ عند لزومها وعند وجود ضرورة لذلك. ولا يمكن للشخص العادي أن يفضّل دواء عن آخر برؤيته إعلاناً أو دعاية لهذا الدواء في الفضائيات أو على صفحات الجرائد والمجلات، أو أن يُعجب بعلبة الدواء أو لونها أو غلافها. فالدواء يجب أن يوصف دوماً من الطبيب في جميع الأحوال والظروف لا من جمال الدعاية وجاذبيتها.

من المعروف أنّ حليب الأم هو الغذاء الأمثل للأطفال .. ومع ذلك ترى كل إعلانات الحليب المصنّع تُظهر لنا طفلاً رائع الجمال ممتلئاً على أساس أنه يعتمد على ذاك الحليب.

إنّ أكبرَ مثالٍ على الغش التجاري هو ما تنفقه الشركات من أجل الدعاية، حيث تُطبع مطبوعات فخمة عالية التكلفة، وتقام حفلات باذخة لشرح فوائد الدواء دون ذكر مضاره. ولقد شهدت بنفسي ولادة أدوية كثيرة، كما شهدت وفاتها، بعد أن ثبتت آثارها الجانبية التي تحمل الضرر للإنسان البشري أكثر مما تحمل نفعاً.

وعادة ما تكون الآثار السلبية للدواء غير ظاهرة ليكتشفها الزمان والتجربة الشخصية والدراسات الغربية التي تردنا فيما بعد .. لنكتشف أننا كنا حقل تجارب بعدما أثْرت هذه الشركة وامتلأت جيوبها بملايين الدولارات من صحتنا أولاً وجيوبنا ثانياً.

وإن كنت أنا اليوم لا أعمّم .. ولكنني لا أبرئ ساحة الجميع، فأنا لا ألوم الناس بقدر ما ألوم عن من يروّج لبضاعة لا يعرف كل خفاياها. أو يعرف ويتغاضى أو يُغمض العينين مقابل المبلغ المرموق. ولو كنا نعيش في الغرب، لما قبلنا بأقل من تعويض هائل تدفعه الشركة التي أخفت العيوب، بينما لطيبة قلبنا نسامح ونتسامح .. ونقول: (قضاء الله وقدره).

الحقيقة المرّة أننا لا نتدارك الأسباب جيداً. بل ربما لا نعرف كيف نتداركها، فمشاكل الأدوية التي تطالعنا بها التقارير الطبية بين الحين والآخر كثيرة، وشركات الأدوية هي (مافيا) منظمة رهيبة أكثر من وسائل الإرهاب الدولي مجتمعة. فهي كالأخطبوط ذي الأذرع المنتشرة في قارات العالم أجمع.

ولكن قد يسألني سائل ماذا نحن بفاعلين ؟ هل نعود إلى الفطرة ... إلى الطبيعة ؟ ونستغني عن كل تلك الأدوية؟.

لا شك أيها السادة أنّ حليب الأم خيرٌ من حليب العلب .. فحليب البقر للبقر وحليب البشر للبشر، والاعتماد على الغذاء الجيد خير من الدواء.

وإنْ لم يكن للدواء من بُدّ فليكن الطبيب الموثوق مرشداً لنا .. فهو بخبرته قادر على التمييز بين الصالح والطالح. وكمبدأ عام أقول لكم: حكّموا عقولكم بعيداً عن الإعلانات البرّاقة والأضواء الخلاّبة، واتبعوا نصائح وإرشادات الأطباء، فهم بعد الله أعلم بمنافع الدواء ومضاره.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد