سيدي ووالدي العزيز .. أعذر زيارتي المتأخرة، ولكنها دموعهم التي رأيت خلف تلك السطور هي من دعاني إليك، ففاجعتهم فيك لا تشبه مجرّد الموت، فقد كان رثاؤهم لك من الصدق بمكان ما جعلني أشعر أنّه رثاء وطن بأكمله لا رثاء عزيز ..
كم يؤسفني معك أنني بدأت من النهاية، فأول ما قرأت عنك ما كتب خالد (والرجال يبكون أيضاً)، وقد أطلت حسرته وغلبت دموعه كلماته .. استوقفني حزنه البادي من بين سطوره فبحثت عنك في آخرين .. رأيتك في كلمات الرشيد صديقك الذي غلب حزنه وذكرياته معك ورثاؤه لك .. رأيتك في كلمات أصدقاء طفولتك وصباك وغيرهم كريماً صادقاً عطوفاً رجلاً في زمن ليس كل الرجال فيه رجال .. رأيتك في كلمات البواردي عندما قال (على سريره الأبيض تشعر أنّه هو الذي يواسيك لا أنت ..) فأيّ رجل بل أيّ عظيم كنت!!
لم تحمل كل المقالات صورتك، ولكنها كانت هناك بين كلماتهم ودموعهم .. كانت هناك تطلُّ بين الحين والحين لتخبرني عن عزيز لم أره.
كتبوا عن روح فكاهتك وأنا رأيت حزنك الساكن في عينينك وكأنّه يسكنك منذ الأزل .. كتبوا عن رجل دولة وأنا رأيت في نظرتك آلام أمة ..
كتبوا عن رحيلك وأنا ما قرأت في كتاباتهم إلاّ وجودك في أعماق أعماقهم، فكيف لك أن ترحل فمثلك حين يرحل لا يرحل وحين يغيب لا يغيب وحين يموت يبقى وإلى الأبد ..
رحمك الله يا والدي، فكم تمنيت أن تنال كلماتي شرف قراءتك لها، لأني أكاد أكون على يقين من أنك كنت ستدس ورقة صغيرة في يدي لتصحح فيها عثرات لغتي ..
ابنتك - منال العبدالعزيز