عرفته في الثمانينات من القرن العشرين حين تشرفت بمقابلته بعد عودته من الولايات المتحدة الأمريكية، إذ كان يكمل دراسته العليا في ولاية (متشجن) وكان لقائي به في منزل... |
... شقيقي معالي الشيخ سليمان الفالح زميل دراسته، الذي كان يحرص على زيارته والتواصل معه، وقبلها عرفت عنه تواصله الدائم مع أصدقائه، ووفائه لهم، والحرص على خدمتهم. |
كان شقيقي معالي الشيخ سليمان يحدثني عن زمالة الدراسة مع معالي الدكتور صالح المالك، إذ كانا طالبين في المعهد العلمي بالرياض، بما يعرف بالكليات والمعاهد آنذاك، ومن ثم تحولت إلى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، فقد كانا يسكنان في السكن الجامعي، الذي كان يسمى آنذاك (بيوت الإخوان) وهو سكن مخصص للقادمين من خارج مدينة الرياض. |
ومما أحتفظ به من ذكرياتهما الجميلة أنهما على رغم صغر سنهما فقد كان يتنافسان على المركز الأول في التحصيل العلمي، فمرة يكون من نصيب شقيقي، ومرة أخرى من نصيب معالي الدكتور رحمه الله. |
كان شقيقي يذكر عنه حرصه الشديد على طلب العلم، وإنصاته بكل جوارحه لمعلميه، واستغلال وقته بما يفيد وينفع، واحترامه الشديد للوقت، وتواضعه الجم مع الناس، وتقديره الشديد لأساتذته، واحترامهم وحفظ حقوقهم. |
كنت أستمتع بحديثه رحمه الله كثيرا، فقد رزقه الله سبحانه موهبة فريدة في الحديث، يتحدث بلغة عربية فصيحة، وبصوت هادئ، وأسلوب علمي مميز، يحرص من خلال حديثه معك على أن ينقل تجربته في الحياة، ويزودك بالكثير من العلوم والمعارف التي تنفعك في مستقبل حياتك، فقد كان يعلمني كثيرا، ويحضني على طلب العلم، ومواصلة دراستي العليا، ويشجعني ويشد من أزري، ويبدي استعداده للوقوف معي، وفتح مكتبته لي متى ما طلبت ذلك. |
أما أحاديث المجالس فله منهج قلّ من يسير على نهجه فهو لا يمس أحدا بسوء، ولا يغتاب غائبا، ولا يقلل من شأن أحد، ولا يتعرض للشخص بسب أو غمز أو همز، ولا يقدح في الرجال، وكان منهجه تقدير الناس واحترامهم على السواء. |
تكامَلَتْ فيك أوصاف خُصِصْتَ بها |
فكلّنا بك مسرورٌ ومغْتَبطُ |
السِنُّ ضاحكةٌ والكفُّ مانِحة |
والنَّفْس واسِعة ٌ والوجْه منبسِطُ |
وعلى مستوى آخر فقد عرفت عنه برِّه الشديد بوالدته، والعناية بها، ورعايتها حتى أثناء غربته، إذ توفى والده وهو صغير، وعرفت عنه التواصل الدائم مع أقاربه، وحبه الشديد لأسرته الصغيرة والكبيرة أسرة المالك. |
عرفت عنه أثناء تغربه لطلب العلم شدة حنينه إلى وطنه، وتتوقه إلى العودة إلى المملكة العربية السعودية لينقل ما تعلمه من علم، وما أفاده من تجربة لأبناء وطنه، وذلك لشعوره الدائم وإيمانه الكبير بأن للوطن حق على أبنائه، وهم الذين يعتمد عليهم بعد الله في النهوض بالوطن وخدمته، وهذا ما كان فقد عاد محملا بالعلم والخبرة والتجربة، فعمل في الكليات والمعاهد أولا وفاء منه لمدرسته، ورد الجميل لها، ثم نقل تجربته الدراسية العليا إلى قطاع آخر فعمل في البلديات، لأن دراسته العليا كانت عن المدن، بعد ذلك اختاره خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله عضوا في مجلس الشورى، ثم أمينا عاما له. |
وللمرحوم بإذن الله ثمانية أبناء: ثلاثة أبناء، وخمس بنات، رزق بهم متأخرا بعد رحلة علاجية في أمريكا لعارض صحي ألم به، كان طيلة فترته صابرا محتسبا يسأل الله الذرية الصالحة، ويذكر حبه الشديد للبنين تلبية لنداء خاتم المرسلين: (... فإني مكاثر بكم الأمم) والرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له). وكلهم لا شك يدعون له، ويبذلون له الخير أسأل الله أن يتقبل منهم. |
وقد خلف تراثا علميا غزيرا، يهم البلاد والعباد، كان آخر ما صدر منها كتاب (الإخوانيات) ديوان شعري، الذي أصدره وهو يصارع المرض بنفس مؤمنة راضية بقضاء الله وقدره. |
أما الصدقة فقد عرف عنه اتصافه بهذه الصفة الجليلة، فقد كان يبذل الصدقة المعنوية لمن يريدها، ويبذل الصدقة الحسية بتواضعه مع الناس، وابتسامته الدائمة في وجوه الآخرين. |
انتقل إلى الرفيق الأعلى صابرا محتسبا فرحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته. |
|