يعتبر موقف بلادنا من ضرورة حصول التفاهم والتعايش بين اللبنانيين من دون تدخلات خارجية موقفاً قديماً وليس وليد اليوم.
وجميعنا نتذكر الموقف السعودي الكبير الذي قامت به منذ عدة سنوات لإيقاف الحرب الأهلية
في لبنان عندما جمعت بين كافة القياديين اللبنانيين من مسلمين ومسيحيين في مدينة الطائف حيث انتهى اجتماعهم إلى (اتفاق الطائف) الذي بموجبه تم وقف الحرب الأهلية وانتخاب رئيس للبنان.
وقد صاحب ذلك حركة إعمار كبيرة لبناء ما هدمته الحرب قادها رئيس الوزراء الاسبق رفيق الحريري الذي قتل ممن لا يريد للبنان الأمن والاستقرار والتقدم قبل أن يكمل أهدافه في الرفعة من شأن لبنان.
وقد تحققت أهداف قتلة الحريري المجرمين فقد عاد لبنان إلى المربع الأول من الفوضى وعدم الاستقرار والانتعاش، فقد تلت عملية مقتل الحريري عمليات قتل أخرى للبنانيين بارزين منهم انطوان غانم وبيير الجميل، وسمير قصير، وجبران ثويني.
كما زاد من الفوضى الحرب التي اختلقها حزب الله مع إسرائيل سنة 2006م عندما قام بتجاوز المنطقة المحظورة وقام باختطاف جنديين إسرائيليين وهو الأمر الذي أثار حفيظة إسرائيل، وبالتالي قيامها بإعلان الحرب على حزب الله وما أدت إليه هذه الحرب من تدمير وتهجير، إضافة إلى ما أوجدته من توتر في العلاقات العربية، فغالبية الدول العربية وبالذات الدول الفاعلة منها تمنت أنه لو لم توجد الاسباب التي أثارت إسرائيل وأدت بها إلى شن هذه الحرب، في حين أنه يوجد بعض من العرب ممن له مصلحة في بقاء الفوضى وعدم الاستقرار في لبنان ممن دافع عن هذه الحرب.
وقد أدت هذه الحرب والخلاف الذي ترتب عليها بين اللبنانيين وصدور قرار دولي من مجلس الأمن الدولي بإنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري إلى استقالة الوزراء الذين يمثلون حزب الله وحركة أمل من الحكومة، مما أدى إلى ترسيخ الخلاف الداخلي إلى درجة الحيلولة دون انتخاب رئيس للبنان في نهاية نوفمبر سنة 2007م وقد اختتمت سلسلة الفوضى في لبنان بقيام حزب الله بانقلابه المعروف حيث اجتاح بقواته سائر أحياء العاصمة اللبنانية بعد أن كان متواجداً فقط في الضاحية الجنوبية لبيروت، وحاصر منازل معارضيه من السياسيين اللبنانيين أمثال سعد الحريري وكمال جنبلاط، كما قام بإغلاق قناة المستقبل التلفزيونية وجريدة المستقبل وإذاعة الشرق التي تعود ملكيتها لسعد الحريري.
وهو الأمر الذي يعني بداية خطر كبير على لبنان بل على المنطقة وهو ما دعا الجامعة العربية للتحرك بجدية وفاعلية حيث تم تشكيل لجنة مكونة من الأمين العام للجامعة العربية وبعض وزراء الخارجية العرب حيث قامت هذه اللجنة بزيارة لبنان والاجتماع مع القادة السياسيين اللبنانيين ثم انتقلت اللجنة مع هؤلاء القادة اللبنانيين إلى قطر لاستكمال الحوار باعتبار أن رئيس اللجنة العربية هو وزير خارجية قطر الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني.
وقد انتهى حوار اللجنة العربية مع القادة اللبنانيين إلى الاتفاق على الآتي:
* العمل على انتخاب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للبنان خلال أقرب فترة، وبالفعل فقد حدد يوم الأحد (25) مايو من سنة 2008م لذلك.
* تشكيل حكومة وطنية بعد انتخاب الرئيس من (30) عضواً ومنها (16) وزيراً للأغلبية وللمعارضة (11) وزيراً ولرئيس الجمهورية (3) وزراء، وقد ترتب على هذا الاتفاق إنهاء مظاهر الاعتصام داخل العاصمة بيروت الذي أقامته المعارضة منذ ما يزيد عن سنة ونصف السنة عندما نصبت الخيام في قلب بيروت.
وبعد فإن ما حصل من اتفاق بين اللبنايين عن طريق اللجنة العربية التي شكلت من مجلس وزراء الخارجية العرب يعود بالدرجة الأولى لموقف بلادنا القوي حول الأزمة اللبنانية ويتمثل ذلك في الآتي:
* دعمها اللامحدود للشرعية في لبنان مما أضفى على هذه الشرعية المتمثلة في الحكومة اللبنانية التي شكلت بطريقة دستورية تماسكاً قوياً ومستمراً.
* معارضتها للتدخل من قبل الأطراف الخارجية في شئون لبنان الداخلية، لكون لبنان دولة ذات سيادة والتدخل في شئونه من الأطراف الأخرى يتعارض مع ذلك حسب القانون الدولي، ولأن التدخل في شئون لبنان والانحياز لفئة دون أخرى يؤدي إلى إثارة الفتنة واستمرار الفرقة وعدم الاستقرار.
* دعم بلادنا المستمر لاقتصاد لبنان وبالذات خلال الفترات الحرجة التي مر بها لبنان.
* الجهود التي بذلها سفير المملكة في بيروت للتقريب بين مختلف الأطراف.
* تأييد بلادنا انتخاب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للبنان بسبب الإجماع عليه من كافة الأطراف.
* تدني مستوى مشاركة المملكة في مؤتمر القمة العربية الذي عقد مؤخراً ساهم بدرجة كبيرة في ضرورة البحث عن مخرج للأزمة اللبنانية.
* موقف المملكة القوي الذي أبدته بعد الاشتباكات التي حصلت في بيروت وبعض مدن لبنان على اثر انقلاب حزب الله حيث دعت بلادنا إلى ضرورة إنهاء المظاهر المسلحة والعودة للحوار السلمي وهو ما حصل عن طريق اللجنة العربية المشار إليها.
وفق الله خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود وسمو ولي عهده الأمين الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود- حفظهما الله- لما فيه خير بلادنا والأمة العربية والإسلامية.