أكتب هذه السطور ومؤتمر حوار الإسلام مع الأديان يجري في مكة المكرمة.. وهو تجمع مهم لعلماء المسلمين ودعوة حضارية من أجل التعايش مع الآخر غير المسلم، ويتوقع أن لن تخرج التوصيات
من أن الإسلام بالفعل ليس لديه إشكالية مع الآخر، فالدين الإسلامي دين اعتدال وتسامح مع غير المسلمين..
قضية الغرب مع الإسلام ليس فقط حضارية إنما في مجملها سياسية، فالإسلام ينتشر في الغرب، وأعداد المسلمين تزداد فيه، هذا بالإضافة لإزدياد أعداد المهاجرين المسلمين، وهو ما قد يغير من ديموغرافية الغرب ومن جغرافيته السياسية، وما يحدث الآن من هجوم على الإسلام هو حسب وجهة نظري منظم وترعاه مؤسسات سياسية من أجل التأثير سلباً على انتشار الدين الإسلامي بين الغربيين..
لكن ما يواجه المسلمين من تحديات وأخطار ليس في علاقتهم مع الآخر غير المسلم، ولكن مع الآخر المسلم.. أو مع الإسلام ذي الخطاب الطائفي الذي يسيطر حالياً على رسالته ويطوعها من أجل مصالحه الخاصة.. الإسلام الذي اختطفه فقهاء وعلماء القرون الوسطى ثم أشبعوه فرقة وكراهية للمسلم الذي يخالفهم..
تحجب جذور الكراهية كل محاولات التلاقي بين أتباع الطوائف في الإسلام، فالعلاقة بين المسلمين على مختلف اتجاهاتهم يحكمها إرث عمره ألف وأربعمائة عام، والانقسام حدث مبكراً وتمت أدلجته إلى أطياف وفرق لا تتفق على احترام اختلافاتها، ولم ينجح العلماء على مر التاريخ على الحد من شدة الخلاف، بل زادوه سوءاً عندما وجهوا أفكارهم إلى النشء وإلى جوب كراهية المخالف والمبتدع.. لا يكتفون بذلك ولكن يختلقون القصص والأساطير التي تحكي للأجيال ما يضمره المخالف من شرور وأحقاد..
أدرك تماماً أنه لا يمكن لغير متخصص مثلي أن يسهب في أعماق الخلاف مثلاً بين السنة والشيعة، لكن ما أدركته من واقع تتعبي لهذا الواقع المرير أنهم خطان لا يمكن أن يلتقيان في ظل هذا التأجيج الدعوي بين أنصار الطرفين، فأوجه الخلاف بينهما كثيرة، وتم تعميق الهوة بينهما لأسباب أكاد أجزم أن أغلبها كانت ولازالت سياسية ويستفيد منها أفراد، والدليل على ذلك ما يحدث في العراق ومن استغلال المحتل لهذه الهوة بين الطرفين من أجل الوصول إلى أهدافه.. ألم يقسم المحتل وطن العراق إلى شيعة وسنة وأكراد!.. الأمر يحتاج بالتأكيد إلى معجزة أو إلى علماء أكفاء لهم تأثير غير عادي على العامة من أجل الحد ولو قليلاً من سيطرة مشاعر الكراهية بين الأتباع..
كانت الكراهية للمخالف تكاد تكون غذاء الروح والعقل في عقود خلت.. عدد لا حصرله من القصص الكاذبة رويت عن المخالفين وعلى رأس القائمة إخواننا من الشيعة، فذاكرة الأطفال مشحونة بوجوب الحذر منهم، وأنهم أي الشيعة يتربصون بأهل السنة ويضمرون لهم الشر والبغضاء والحقد، كذلك هو الحال في الجانب الآخر، وما كتبه الأستاذ حسن العلوي في كتابه (عمر والتشيع) عن ما كان يتم تلقينه للأطفال من رجال الدين لتأصيل كراهية بعض رموز السنة يدل على أن الكراهية كانت ولازالت أمضى سلاح للمحافظة على إرث يقوم على محاربة الآخر المسلم وليس غير المسلم..
لقد سئمنا تكريس ممارسة الكراهية للتعبير عن موقف ضد المخالف، ويجب إخضاع هذه المشاعر السلبية للعقلانية، وأن يتدخل القادة والقضاء ومنظمات حقوق الإنسان لتجريم أولئك الذين يمارسون بث مشاعر الكراهية في الطرفين.. كذلك على العلماء من الجانبين أن يقدموا الخطاب الإيجابي، وأن تتصدر مواضيع خطبهم يوم الجمعة نبذ الكراهية والبغضاء بين الناس والحث على إتباع الخطاب المتزن في التعبير عن مبادئهم، وذلك من أجل بناء الثقة والاحترام المتبادل من جديد بين المسلمين مهما بلغت أوجه اختلافاتهم، فالإسلام الراشد وكما تعلمناه من سيرة الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام مع خصومه من المنافقين والمشركين لا يأمر بالكراهية والحقد ولكن بالدعوة والموعظة والتعامل بالحسنى.
من الضروري أن يبدأ العمل في مرحلة التعليم المبكر ومن خلال استراتيجية تربوية ضد استغلال وتأجيج مشاعر العامة ضد الآخر المسلم من الطرفين، ولن يكون ذلك كافياً إذا لم يصحح العلماء مما أحدثه أسلافهم من تأجيج سافر للعداء بين العامة المسلمين، وسيكون ذلك ممكناً إذا تم الإعلان عن مواقف إيجابية ضد الآخر ومنها مثلاً البراءة من مواقف العداء والبغضاء ضد الرموز من الطرفين وإن ظل الاختلاف قائم بينهم في بعض المسائل.. هذه دعوة لبدء العمل بصورة متزنة من أجل تخليص الأجيال القادمة من وباء الكراهية الذي أضحى أصلاً ثابتاً من مواقف المسلم ضد المخالف داخل دائرة الإسلام.