لعل الدور الذي قامت به الجامعة العربية مؤخراً في حلحلة المشكلة اللبنانية، يعيد التذكير بالجامعة العربية التي كادت أن تسقط من ذاكرة الأجيال المعاصرة بسبب عجزها على مدى نصف قرن عن كسب تعاطف الشعب العربي وعدم قدرتها على تحقيق ما يتوخاه منها.
في أغسطس عام 1944م (شعبان 1363هـ) عقد مؤتمر عربي في القاهرة بدعوة من رئيس وزراء مصر السيد مصطفى النحاس، حضره ممثلون من سبع دول عربية هي مصر وسوريا والأردن والعراق والسعودية واليمن، ونوقشت فيه قضية الوحدة العربية، وكانت الظروف العربية آنذاك مضطربة، والعالم تموج به عواصف الحرب العالمية الثانية، فانعقد المؤتمر في أجواء من الحذر والريبة بين حكومات لم تزل بعد تحت مظلة المستعمر ونفوذه الذي نجح في زرع الشك والقلق بين زعمائها، فلم يعد أحد منهم يثق بنوايا الآخر.
وتلا ذلك المؤتمرَ مؤتمرٌ آخر تم فيه التوقيع على ميثاق الجامعة العربية في 22-3-1945م (8-4-1364هـ)، وكانت الحرب العالمية الثانية في مراحلها الأخيرة..
وعند إنشاء الجامعة العربية كانت بريطانيا تهيمن على أجزاء كبيرة من البلاد العربية، فهي موجودة عسكرياً وسياسياً وإدارياً في كل من مصر والأردن وفلسطين والعراق والسودان والكويت والإمارات العربية وقطر وعمان وجنوب اليمن، فضلاً عن سيطرتها الفعلية على استثمارات البترول في الخليج العربي وإيران، وكانت حريصة على مصالحها في تلك الدول وهي توقع مع الدول العظمى معاهدة إنهاء الحرب العالمية واستسلام دور المحور.
ولأن تلك الاجتماعات وما تمخض عنها من نتائج ومنها انبثاق الجامعة العربية ونظامها كان محاطاً بالنفوذ البريطاني ودسائسه؛ فقد ولد ذلك النظام العربي مشوهاً وغامضاً؛ بدليل أن نظام الجامعة احتوى ضمناً خدمة المصالح البريطانية أكثر من خدمة الوحدة العربية، واستطاعت بريطانيا بدهاء أن تدس فيه البنود التي ترغبها ومنها: ضمان المصالح البريطانية شرق قناة السويس، واستمرار السيطرة على قناة السويس، وإعطاء بريطانيا امتياز حفظ الأوضاع الأمنية والسياسية في المنطقة بدعوى مواجهة الخطر الشيوعي.
فضمنت بذلك التمهيد المبطن لإقامة إسرائيل.
أما مصطلحات تأكيد الحرية والسيادة والاستقلال فقد استخدمت بطريقة تقوي حق كل دولة منفردة على حساب القرار العربي الجماعي أو الوحدوي. مما أعطى كل دولة حق تعطيل أي قرار تحت ذريعة السيادة الوطنية.
وقد أثبتت الوقائع في كثير من الدول العربية أن الإفراط في اتخاذ القرارات المنفردة بذريعة السيادة الضيقة قاد إلى التفريط في المصالح العربية المشتركة، وأفقد العرب التنسيق في مواقفهم الجماعية، وأدى في النهاية إلى زيادة الفرقة والإضرار بمصالح الأمة.