Al Jazirah NewsPaper Thursday  05/06/2008 G Issue 13034
الخميس 01 جمادىالآخرة 1429   العدد  13034
وقفات مع حياة طوتها المنون
سليمان بن عثمان الفالح

حين تتبادر إلى النفس البشرية لفظة الموت فإنها تحمل معها كل معاني الخوف والذعر الذي يترك أثره في النفس، وفي موت الأحباب عظة وعبرة لكافة الخلق وللمقربين منهم يكون وقعها أشد، وتأثيرها أبلغ، لأن المصيبة تكون مصيبتين، مصيبة الموت ومصيبة فقد الأحباب وإلا فالموت حق وكلنا إليه صائرون.

لقد كان معالي الدكتور صالح المالك رحمه الله نعم الأخ والصديق الوفي وبيني وبينه مودة راسخة أحببته، وأحببت فيه سلامة قلبه وصفاء سريرته، وصدق طويته، مع القريب والبعيد، لقد تميز رحمه الله بمبادئ لم تتغير مع طول الزمن، وقيم لا يخالجها الشك امتدت علاقتي به منذ زمن بعيد، وهي علاقة أخوية متميزة لم تبن على مصالح ذاتية أو مكاسب شخصية، عرفته بالخير في حياته، وسأذكره بالخير بعد مماته.

كان لاتصال الدكتور سالم المالك ابن أخيه محمد رحمه الله كبير التأثر عندما أبلغني بوفاة أخي صالح الذي رحل عنا بعد معاناة طويلة مع المرض كان فيها نعم المؤمن المحتسب، الراضي بقضاء الله وقدره، وكان الدكتور سالم نعم الأخ والابن للدكتور صالح لأنه ممن وقفوا معه بكل جدية خارج المملكة وداخلها وكان يثني عليه كثيراً رحمه الله.

ومما يواسي الإنسان في هذه الحياة أنها فانية وأن الموت مكتوب على الثقلين الجن والإنس حتى الأنبياء والرسل يموتون قال الله سبحانه وتعالى في أشرف خلقه {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ}، وقال نبي الرحمة: أحبب من أحببت فإنك مفارقه.

وهذا التوجيه النبوي الكريم يرسم منهجاً إسلامياً يستحضره الإنسان عند حلول المصائب فيزداد إيماناً بالله، وثقة بخالقه، ليبدأ حياته من جديد متجنباً كل ما علق في النفس من نكبات تهز الفؤاد ومتناسياً جميع ما رسخ في الذهن من أحداث تشل الحركة والفكر.

عرفته في السبعينيات عندما كنا طلبة في المعاهد والكليات نجلس مع بعض وكنا نسكن بجوار بعض حيث كان رحمه الله يسكن مع أبناء عمومته وعلى رأسهم معالي الشيخ الفاضل منصور المالك وكان الشيخ نعم المُربي والموجه حتى كان له الأثر الكبير والفعال على أبنائه وإخوانه وأبناء عمومته وكان رحمه الله حريصاً على طلب العلم، إذ كان يدرس في الثانوية انتساباً حتى تخرج منها ثم التحق بجامعة الملك سعود وواصل دراسته العليا في أمريكا تخصص علم اجتماع، وبعد عودته تقلد مناصب عدة كان نعم المسؤول والموجه والمواطن الصالح.

عرفت عنه أثناء الدراسة ولعه الشديد بالقراءة والاطلاع والبحث والكتابة، فهو ممن كانوا يحفظون وقتهم، فلا تراه إلا قارئاً ممتازاً وجاداً وحريصاً على دروسه وأداء واجباته لم أسمعه يتحدث عن طموح يبتغيه لنفسه غير خدمة دينه ووطنه ومجتمعه، كان رحمه الله نموذجاً في حسن الخلق نفسه متسامية وسجيته متسامحة كان مولعاً بحب الناس صغيرهم وكبيرهم، لم أسمعه في يوم من الأيام يتبرم من شيء أو يتضجر من أحد أو يسأم من جليس أو مل من قريب، فالناس عنده بمنزلة نفسه وتلك نعمة يمن بها الله على من يشاء.

في مجلسه كان نعم الجليس تراه باسم الوجه مشرق النفس، يعامل الحاضرين بلطف ويبالغ في إكرامهم وينعم بمحبة الآخرين ويحظى بتقديرهم، ويمازح الضيف، ويؤانس المضيف، يملأ المجلس أنساً وعلماً، ويفيض عليه روحاً وأدباً.

كنت أزوره في المستشفى بعد عودته من رحلته العلاجية وأجده كما عهدته مؤمناً بقضاء الله وقدره، صابراً محتسباً رابط الجأش، هادئ الأعصاب كبير الأمل. إذا رأى زائريه على كثرتهم وتنوعهم تناسى مرضه لئلا يصيبهم الحزن، ويتذكر نعمة الله عليه ويحمد الله على قضائه وقدره، ويذكّر بابتلاءات الأنبياء والصالحين، كان رحمه الله يطلب من زواره مسامحته والدعاء له، والحقيقة أني ترددت كثيراً في الكتابة عن هذا الرجل الطيب والإنسان الفاضل لأني مهما كتبت عنه لن أوفيه حقه حيث كان لي معه وقفات كثيرة طيلة نصف قرن عشناها سوية أثناء الدراسة وبعدها معه ومع إخوانه وأبناء عمومته لأنهم حقيقة من الأسر المتميزة في تعاونهم ومحبة بعضهم البعض الكبير يعطف على الصغير والصغير يحترم الكبير ولكن عندما رأيت كثيراً من الإخوان كتبوا كل بحسب علاقته به قررت المشاركة بهذه الكلمة المتواضعة.

انتقل إلى رحمة ربه وسمعته طيبة، وذكره حسن وقلبه عامر بالإيمان، يذهب الإنسان وتبقى الأحاديث والذكر فرحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وأصلح الله أولاده وجعلهم خير خلف لخير سلف. و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.

مستشار الشرعي لسمو وزير الداخلية



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد