المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار والذي يرعاه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي بدأ أمس بمكة المكرمة بكلمة للمليك حملت مضامين واسعة وآفاق رحبة تترجم النهج الذي يكرسه الملك عبدالله بن عبدالعزيز لبناء قاعدة علمية ومنهجية لعلاقة المسلمين مع الآخر، وهذا المؤتمر الذي سيكون بداية سلسلة لقاءات علمية بين العلماء والمفكرين والساسة لوضع المنهج الذي يسعى الملك عبدالله لجعله أسلوباً ومسلكاً لنا جميعاً كمسلمين مع الآخرين شركائنا في الحياة على كوكب الأرض.
وقبل التحدث عن الرحاب التي أطلقتها مضامين ومحاور الكلمة الافتتاحية لخادم الحرمين الشريفين في افتتاح المؤتمر، لا بد من التذكير بأن نهج الملك عبدالله للحوار مع الآخر، يمرُّ بعدة مراحل وخطوات، ترجمتها أقوال وأحاديث الملك واللقاءات التي حصلت إضافة إلى ما تم من خطوات مهدت لما يجري الآن في مؤتمرات ولقاءات.
في البداية كان لابد من نشر ثقافة الحوار وكيفية التعامل مع الآخر، والآخر هنا ليس فقط من يختلف عنا ديانة وحضارة وثقافة ولغة، بل اختلاف الرأي والموقف والسلوك نلمسه ونعيشه حتى في البيت الواحد، وهو ملاحظ في المجتمع الواحد، فالاختلاف من طبيعة تكوين المجتمعات، بل يعد إضافة صحية لأن المجتمعات تكتسب سمات ومميزات أخرى بالاختلاف لأن المجتمع يكون متنوعاً يستوعب الجميع بتنوع آرائه وفهمه وثقافته.
من هذا المنطلق والمفهوم لمعنى التنوع والاختلاف أطلق خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز فلسفة ونهج الحوار، ولزرع هذا المسلك وثقافته، بدأ نشره وتعميمه بإطلاقه من داخل المجتمع السعودي حتى يصبح هذا المسلك نهجاً حضارياً وثقافياً يتعامل من خلاله أبناء المجتمع الواحد دون استعداء لبعضهم البعض لمجرد خلاف في الرأي أو في التفكير أو الثقافة وقد أمكن وبعد عقد عدد من لقاءات الحوار الوطني في عدة مناطق من المملكة أن أصبحت ثقافة الحوار، وفهمنا للآخر فيما بيننا سلوك مشاع ومتبع، وقد أصبحت ثقافة الحوار ملاحظة حتى في علاقة أبنائنا داخل المنزل الواحد، وهذا ما جعل الملك عبدالله بن عبدالعزيز يقدم على التوجه للمرحلة الثانية؛ وهي إطلاق الحوار بين المسلمين أنفسهم، فالمعروف أن المذاهب والأفكار بين المسلمين متعددة والاجتهادات كثيرة، وهو ما أوجد نوعاً من التباعد والاختلاف وصل في أحيان كثيرة إلى صدامات للأسف الشديد بعضها كان دموياً، وبما أن أدب الخلاف والاختلاف ومسلكه في العصور الإسلامية شيء مؤكد ومعروف فصحابة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كانوا يختلفون، إلا أنهم كانوا يحكمون خلافاتهم بردها إلى كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، والأئمة الكبار والعلماء والمجتهدون اختلفوا أيضاً ولهم في هذا المضمار منهج سار عليه العلماء والمجتهدين من بعدهم، وقد نفع به المسلمين وطلاب العلم، وعقد المؤتمر الإسلامي العالمي في مكة المكرمة وبرعاية ومتابعة ومشاركة من خادم الحرمين الشريفين يجدد لهذا المسلك والنهج الإسلامي الذي حري بالمسلمين السير عليه والعمل به، وهو ما سعى إليه الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي يقود الآن مسيرة نقل ثقافة ونهج الحوار وتعميمه والأخذ به من قبل جميع المسلمين بعد أن وفقه الله في نشره وتعميمه وطنياً بين أبناء الشعب السعودي، إذ لا يمكن أن نتحاور مع الآخر من غير المسلمين دون أن نكون قد اعتمدنا ثقافة الحوار وأخذنا بها نحن أبناء الدين الواحد. وما يسعى إليه الملك عبدالله بن عبدالعزيز هو ما يعمل من أجله المؤتمر الذي انطلق من مكان انبثاق الدين الإسلامي، والهدف الآخر أيضاً هو وضع أسس الحوار مع الآخر على أساس المشترك الإنساني وتقديم الحلول التي تواجه إنسان اليوم والأمة الإسلامية بما تملك هذه الأمة من تجربة حضارية قادرة على التعايش مع المدنية المعاصرة، مثلما حفلت الحضارات الإسلامية المتعددة التي ساهمت وبجهد وافر في تقدم الإنسانية جمعاء.
هذه المحاور والقواسم المشتركة دينياً وثقافياً وحضارياً كانت هي مضامين كلمة الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي يحسب له بأنه مجدد ومحيي فلسفة الجدال الحسن من خلال التعامل والحوار مع الآخر.
jaser@al-jazirah.com.sa