(الحبة الأولى)
الرياح تلج الباب المستلقي على الأرض.. تتسلق السلم الطيني، يزيد
صفيرها في الغرف الواسعة...
سقط المطر ذات صباح فنمت وردة حمراء في الجزء المنزوي من
الفناء، صاحب الدار فرح بهذه الوردة حمل بابه المستلقي وأخذ المطرقة، طرق الباب والمسمار، طرق وطرق حتى تهاوت زوايا الدار
على بتلات وردته.
(الحبة الثانية)
دغدغ الدلال وجنتيها عندما قالت له بكل ثقة:
لن تكون حبيبي إلا بعد أن تكتب لي قصيدة لم تكتب لأنثى قبلي، انزوى في غرفته المرتبكة ببقايا الأوراق والسجائر، نفث الدخان حامت حوله دوائر ودوائر، طال ليل السهر، ولم يكتب إلا بيتين، هرع مسرعاً يبحث عنها، هي كانت تمضغ لبانة وتلاعب بأطراف أصابعها آلاف القصائد التي نظمت لها.
(الحبة الثالثة)
انقطاع الكهرباء في بيتهم جعلهم يجتمعون على سطح المنزل، رشوا
الأرض بالماء، تحلقوا تحت القمر يتسامرون حتى غالبهم النوم، شعرت هي بدفء تلك الليلة ومذاق النوم الزلال.. فتمنت أن ينقطع التيار كل أيام الحياة.
(الحبة الرابعة)
بعد العودة من رحلته مكث طويلاً أمام الباب يحاول فتحه، كان الباب قد كبر وكبر ومازال المفتاح صغيراً.
(الحبة الخامسة)
كانت الورقة طويلة التي علقها خلف باب غرفته، صف بها أحلامه وكتب أعلى الورقة (أحلام لابد أن تتحقق خلال خمس سنوات)
سارت خمس سنوات عجاف، تذكر ورقته، فتح الباب ليقرأ، وجد أحلامه عصافير سافرت مع الفجر لم يبق في ورقته سوى حرفين فقط ((خ)) ((س)) خط تحتها (ب ط ي خ) (م ش م ش).
(الحبة السادسة)
مكث طويلاً أمام واجهة ملحه الزجاجي، ينفث أنفاسه ويمسحها، يبتعد، يحرك رأسه ذات اليمين وذات الشمال ليتأكد من لمعانها، غادرت الشمس، زاد بريق الزجاج وأفل المتسوقون.
(الحبة السابعة)
كان الدوي مزعجاً.. أسرعت لمصدر الصوت حيث غرفته فتحت
الباب لترى المرآة وقد تهشمت على الأرض ولم يبق سوى القليل من الشظايا التي ذكرتها بفم عجوز ضاحك، صرخ بوجهها: اخرجي وإلا سوف أحطم رأسك كهذه المرآة اللعينة التي تتآمر لتعكس وجهي بدون ملامح.
(الحبة الثامنة)
كانت الوردة المغروسة على لوحة الإعلانات في البيت تنمو جذورها
تحت الطاولة والأواني، تضخمت حتى اقتعلت الجدار وأزهرت الأبواب، مرر أطراف أصابعه على الوردة، فانتثر ماء جذورها ((على المدخل)).
(الحبة التاسعة)
وقفت طويلاً تتأمل ملامحها أمام المرآة تخلخل أصابعها في شعرها
الأجعد، تتلمس عينيها المتورمتين، ضاقت بسمرتها لم تبتسم يوما.. ولم تمشط شعرها باهتمام.. وعندما دق قلبها وزينت ابتسامتها ذلك الصباح الذي قدم فيه لخطبتها.
فوزية الشدادي الحربي