مثلما تذبل الورود الجميلة، تتساقط مهزومة من بين تلك الأغصان الخضراء، بينما كانت تستظل بها وتمنحها الجمال، ولمن يقترب منها الرائحة الزكية الطيبة، من دون أن تكون لدى هذه الأغصان القدرة لأن تحميها وتحافظ على انتشائها،بمثل ذلك ها هي سنين العمر بالنسبة لنا تأخذنا إلى رحلة أخرى، والأمراض إلى عالم آخر، والتقلبات الصحية إلى أجواء تتبدل وتتغير، وقد ينتهي بنا المطاف وباحبابنا إلى ما لا نحبه أو نتمناه مثلما رحل عنا الغالي الدكتور صالح المالك.
***
عالم متقلب بأطيافه المختلفة، وحياة فيها ما فيها من السعادة ونقيضها، ومما يسر ويغضب، بينما يعيش كل منا حياته دون أن يدري ما يخفيه له القدر ومتى، وكأننا لا نرى ولا نسمع بما حل بغيرنا، ولا علم لنا بمصيرنا وما ينتظرنا، بما لا أجد له تفسيراً غير تلك الاجتهادات التي قد تصيب أحياناً وتخطئ أحياناً أخرى.
***
فالمناسبات بمختلف أشكالها وألوانها ودرجة رضانا عنها تقودنا دائماً إلى التفكير العميق، وإلى قياس خطواتنا في الحاضر والمستقبل قبل أن يحل الأجل، وقبل أن تطوى الصفحات، ولا ينفع حينئذ الندم، لكننا سرعان ما ننسى أو نغفل، وكأننا لم نكتوِ بما يوجع ويهز المشاعر من آثار الألم وتداعيات مثل هذه المناسبات.
***
طافت هذه الصور أمامي، مرت كشريط مصور، تداعت وتهاوت وتوقفت أمام عيني وتفكيري، فيما لم يبق في ذهني ومشاعري مكان لغير الحزن والأسى في التفكير أو التأثر أو التفاعل، مصحوبا بكثير من الخوف لذلك الضيف المجهول غير المرغوب فيه الذي زارنا وانتزع منا حبيبنا صالح المالك، وسيأتي إن عاجلاً أو آجلاً ليأخذ منا آخرين دون أن يستأذن أو يفكر بمشاعر الأحياء في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون.
***
أكتب هذا الكلام في أجواء مشحونة بكل أشكال وأصناف ودرجات الحزن، وهي حالة تتكرر معي ومع من يقرأ هذه السطور من حين لآخر، مشدودا إلى زخم كبير من العواطف التي لا يقوى معها أياً منا على الصمود، بينما يستجد في حياته ألوان جديدة مما يثير حزنه وأساه وشعوره بأن وضعا مأساويا قد استوطن حياته الخاصة.
***
بعضنا - بل كلنا - نبدو أقوياء وأشداء، غير أن حالة واحدة قد تغير الصورة والشكل والمظهر في الإنسان، وتعطي للمشاهد انطباعا سريعا وفوريا عن ضعفه وانكساره وهزيمته حين يفجع بوفاة قريب أو صديق، فكيف إذا جمعت العلاقة بين الاثنتين والصفتين بينك وبين من تحب.
***
أبا هشام، أيها الصديق والحبيب والأخ وابن العم، إني لا أبكيك ولا أرثيك بمثل هذه الكلمات، ولكني أبث شيئا قليلا من مخزون حزني على رحيلك، أما من يبكيك فهو إخلاصك لوطنك، وسيرتك العطرة، وعلمك وثقافتك ومحبة الناس لك، وصالح المالك مثلما عاش عَلَما ومعلِّما فقد مات كبيراً وعظيماً. رحمك الله وجعل الجنة مثواك.