ما يزال الإنسان المعاصر مأخوذاً بما فتح الله له من أبواب الاختراعات، وبعض الأسرار الموجودة في هذا الكون، مغروراً بنفسه، ظاناً أن عقله وحده هو الذي فتح بعض المغاليق، واكتشف بعض الكنوز والثروات، ناسياً أن العلم لله يمنح عباده منه ما يشاء لعمارة الأرض، وتسهيل أداء الرسالة الخالدة فيها تحقيقاً للغرض من خلق البشر في هذه الدنيا {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}.
نعم، ما يزال الإنسان المادي المعاصر بعيداً عن تحقيق معنى العبودية الخالصة لله تعالى، بعيداً عن الشعور بفضل ربه عليه وهو الذي علم الإنسان ما لم يعلم، وهنا أخذت المدينة المعاصرة وجهتها القاتمة التي نراها جميعاً، المتمثلة في التمرد المعلن الصارخ على الله رب العالمين، وتعاليم شرعه الحكيم، وتطبيق ما أمر به من العبادة بأنواعها المتعددة.
وبلغ الغرور -بل الغفلة- بهذا الإنسان إلى أن أصبح يحارب الله بالمعاصي ليل نهار، ويدعو إليها، ويروج لها، ويسخر من تعاليم الدين، وضوابط الشرع بصورة مؤسفة تدل على انحدار خطير في مسيرة البشرية التي تسير إلى الهاوية، وإن بدا للمخدوعين أنها تعلو وترتفع.
لقد نجح الإنسان المعاصر في المجالات الصناعية المتعددة، وهيأ لنفسه من وسائل الراحة المختلفة ما أذاقه لذة الاختراعات المذهلة التي وفرت عليه جهده ووقته بصورة ما كان يتوقعها، ولكن هذا الإنسان المغرور نسي أنه يسير إلى حتفه بقدمه، فنفايات المصانع، ودخانها وأبخرتها، وإشعاعات الصناعات الحربية، وكيماوياتها، وأبخرة المواد التي يستخدمها الناس في بيوتهم، أحدثت من التلوث البيئي ما أصبح مصدراً حقيقياً لتهديد حياة هذا الإنسان المغرور، حتى أصبح لزاماً على العقلاء أن ينادوا بإنشاء جمعيات، ومراكز كبرى لإجبار الإنسان المادي المندفع على التوقف عن هذا (الإجرام) الكبير في حق الكائن البشري، باسم التطور الصناعي.
وتأتي قضية الاستمطار التي شاعت أخيراً، دليلاً آخر على غفلة الإنسان عن ربه، وبعده عن الانكسار بين يدي الله، والاستغفار، والإقلاع عن الآثام والمعاصي المنتشرة حتى يمن الله عليه بما في كنزوه من الفضل الكبير، إن موضوع الاستمطار موضوع علمي في صورته الظاهرة، وهو موضوع له بريق وإغراء، ولكن الأكاديميين وعلماء البيئة يتحفظون عليه، وعلى الإسراف فيه، والإكثار منه، وهذا ما نشرته صحف عالمية، وبعض صحفنا المحلية، وسبب هذا التحفظ من علماء البيئة ما يمكن أن تسببه مادة (أيود الفضة) وهي المادة التي يتم ضخها في السحب ليحدث الاستمطار، من آثار سلبية على البيئة، وصحة الإنسان، مع أن النجاح في الاستمطار مرهون بإرادة الله الذي يصرف الرياح كيف يشاء، فكم من سحابة استمطرت لمكان، فساقت الرياح مطرها إلى مكان آخر.
إشارة
{كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى (6) أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى}.