عقب عودته من المملكة، كتب البروفيسور الأمريكي جون هارتمان أستاذ كرسي صحيفة (الجزيرة) للصحافة الدولية، مقالاً قيماً في مجلة اديتور اند بابليشر الأمريكية تحدث خلاله عن زيارته العلمية ونتائجها. وفيما يلي ننشر المقال كاملاً (مترجماً) بالتزامن مع صحيفة رسالة الجامعة:
تلقيت في نوفمبر الماضي بريداً إلكترونيا يدعوني للتقدم لوظيفة أستاذ كرسي زائر في الصحافة في جامعة الملك سعود، وفي حقيقة الأمر لم أسمع قط عن هذه الجامعة، ولم أسمع عن دكتور علي القرني، الذي أرسل البريد الإلكتروني. وتحريت الأمر عبر الإنترنت، ووجدت أن الأمر جد لا هزل فيه. فتقدمت بطلبي بصفتي أستاذ في الصحافة في جامعة سنترال ميتشيغن، ومقيم في (باولينج غرين، في ولاية أوهايو، وقبلت العرض.
الترتيبات
شرعت في إعداد الكلمة الرئيسية التي ألقيتها في رحاب الجامعة، والتي دارت حول الاتجاهات الحديثة في الصحافة الأميركية، وبدأت في إعداد المواد اللازمة للدورات التدريبية التي سأحاضر فيها لطلبة جامعة الملك سعود وللصحافيين في جريدة الجزيرة - جريدة يومية تصدر باللغة العربية ومقرها الرياض - الراعي الرسمي لزيارتي كأستاذ للكرسي، ولا علاقة للجريدة بقناة الجزيرة الإخبارية.
البداية
قمت بزيارة جامعة الملك سعود في الرياض للمرة الأولى في حياتي في السادس والعشرين من إبريل 2008م، ومساحة فرع الطلاب كبيرة للغاية، تكتنفه الرمال الذهبية من كل حدب وصوب. ورأيت الرجال يرتدون الثياب البيض مع الشماغ أو الغترة. وكانت المدينة الجامعية مجاورة جدا للحرم الجامعي، وليست جزءا منه كمعظم الجامعات الأميركية.
وخصصت الجامعة لي مكتبا في مبنى لم يكن داخله بجمال المبنى من الخارج، بيد أنني كنت سعيدا، وقامت الجامعة بتوفير خدمة الإنترنت لمكتبي، فاستطعت أن أدلف للعالم الخارجي لأرى ما يدور فيه بعد انقطاعي عنه طوال رحلتي، واستغنيت عن هاتفي الخلوي (بلاك بيري) الذي أصابه العطب.
كلمة ودورة
وفي اليوم التالي لوصولي ألقيت كلمة عن الاتجاهات الحديثة في الصحافة الأميركية، تطرقت فيها عن الأخبار غير السارة عن الشباب الأميركي اليافع الذي طرح الجرائد الورقية جانبا، ولم يستغن عنها حتى بقضاء وقت كاف لتصفح المواقع الإخبارية على الإنترنت. وناقشت كيف بدأ الشباب يميل لتلقي الأخبار المكتوبة بصيغة ضمير المتكلم إذا ما اهتم بالخبر أصلا، تماما كما هو الحال في صياغة المدونات وأخبار التلفاز، إلا أن هذه الاتجاهات يبدو أنها غير موجودة بشكل كبير في المملكة العربية السعودية.
وأعددت أولى دوراتي التدريبي في المملكة عن صياغة الأخبار الصحفية، والتي شارك فيها الطلبة شخصيا والطالبات عن طريق الدائرة التلفزيونية، في السابع والعشرين من شهر إبريل.
أنا والعثمان وأوباما وكينيدي
التقيت أثناء زيارتي مع سعادة الدكتور عبدالله العثمان مدير الجامعة، وشأنه شأن رئيس أي جامعة في الولايات المتحدة الأمريكية، فهو شاب يافع، نشط، في العقد الرابع من العمر، تولى منصبه قرابة عام مضى. ويخطط سعادة الدكتور عثمان لجعل جامعة الملك سعود في مصاف الجامعات العالمية، ويسعى لزيادة برامج خريجيها. وقال الدكتور عبدالله العثمان بلغة إنجليزية سليمة: (أخطط لجعل جامعة الملك سعود تماثل جامعة ولاية أوهايو بحلول 2020م وأن تضاهي جامعة هارفارد بحلول 2040م). وأضاف قائلا: (إن الحروف الأولى من جامعتنا تعني جامعة مجتمع المعرفة).
وتطرق حديثنا عن المشاريع البحثية ذات الاهتمام المشترك، لا سيما تلك التي تتعلق بالشباب، وهي إحدى المواضيع التي أعد أبحاثا صحفية عنها. وأعرب الدكتور عبدالله عن قلقه من الصورة التي انطبعت في أذهان المواطنين الأميركيين عن بلده، واقترح أن تعد أبحاثا في هذا المجال.
وسألني العثمان عن رأيي في السباق الرئاسي الأميركي المحموم فقلت له إنني أؤيد باراك أوباما حيث أرى أنه يتبنى آراء سمحة تجاه بقية دول العالم أكثر من (هيلاري كلينتون) المرشحة الأخرى لحزبه وأكثر من منافسه (جون ماكوين). وأضفت (أرى أن أوباما يجذب الأجيال الشابة تماما كما جذب جوف إف كيندي جيلي آنذاك. لقد دفعني كينيدي للالتحاق بالخدمة الإلزامية، وحثني على أن أجعل العالم مكانا أفضل مما كان عليه). واختتمت حديثي معه قائلا: (أرى أن زيارتي هنا امتداد لرؤية كينيدي).
أنا وخالد المالك
وفي نفس اليوم الذي قابلت الدكتور العثمان فيه التقيت مساء مع سعادة خالد المالك - رئيس التحرير - في مقر جريدة الجزيرة، والذي ربت على ظهري عند لقائه كمنافس شرس وكقائد قوي لجريدة كبيرة. وعلمت لاحقا أنه شخصية ذائعة الصيت دوليا، معروف بأنه رئيس تحرير ذا مكانة مرموقة. وتذكرني شخصيته برئيس تحرير جريدة أميركية يدير مجموعة من المحررين يطوفون هنا وهناك للحصول على القصة الإخبارية. وأهداني خالد المالك كتابين ألفهما عن فخامة الملك، وبالمقابل أعطيته كتابين عن صحيفة ذي يو إس إيه توداي. ولست متأكدا إن كانت الصفقة صفقة عادلة!
وتجري طباعة الصحف السعودية على ورق صحف لامعة تماما مثل المجلات الأميركية، وعلمت أن هذا هو منع المجلات من الانطلاق، وعلمت أيضا أن أخبار التجارة تلقى اهتماما أكبر من القراء عن الأخبار الرياضية.
وألقيت في اليوم التالي للقائي بخالد المالك كلمة عن تأثير الإنترنت على عمل الجريدة في مقر صحيفة الجزيرة في صباح الأول من مايو. وحضر الصحافيون اللقاء شخصيا بينما حضرن الصحافيات في غرفة مجاورة مغلقة وشاركن في اللقاء عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، ومعظمهن يعملن من البيوت.
الحر
لازمني الطقس الحار طوال الثلاثة أيام الأولى واستمر كذلك طوال فترة زيارتي.
الدورة الأخيرة
وتناولت الدورة الأخيرة التي ألقيتها قبل سفري في رحاب جامعة الملك سعود كيفية كتابة أخبار الوفيات والنعي وعاهدت المشاركين على مناقشة كيفية كتابة التحقيقات الصحفية، وتغطية الكلمات والاجتماعات، وإجراء اللقاءات أثناء زيارتي القادمة.
هوس مزعوم
رأيت أن بعض السعوديون غير مهووس بنا، ويتضح قلقهم من تصويرنا للمسلمين كأوغاد في الأفلام الأمريكية والإعلام الأميركي، ومن تصوير المرأة كرمز للجنس في الإعلام الغربي - وهو مخالف تماما لمبادئ الإسلام، ومن بعض المواطنين الأمريكيين الذين ينظرون شذرا للسعوديين وللشعب العربي ويتكبرون عليهم.
ومع هذا لا يمكنني إلا أن أقول أنا وزوجتي (كاي) لم يكن من الممكن أن نلقى كرم ضيافة أفضل مما وجدنا من مضيفينا د. علي القرني، أستاذ مشارك بقسم الإعلام، والدكتور إبراهيم البعيز، رئيس قسم الإعلام، والذين عملا على توفير كل احتياجاتنا.
ولمست أن كل الأفراد السعوديين الذين قابلتهم يهتمون بما نهتم به يهتمون بأسرهم وأطفالهم، ووظائفهم، ودينهم، ومجتمعهم. إلا أننا الأمريكيين نختلف كثيرا عنهم من حيث دور المرأة في المجتمع والقيود المفروضة على الصحفيات. ومع هذا هنالك الكثير من الأمور التي تربطنا بهم أكثر من الأمور التي نختلف بها عنهم. وتوجد بعض الإشارات إلى أن سياسات السعوديين تجاه المرأة تتغير تدريجيا.
وأخيرا لمست أن السعوديين يهتمون كثيرا بالصحافة ويريدون تحسين أداءها تماما مثلنا في الولايات المتحدة. لقد ذهبت هنالك لأريهم كيف نصوغ الصحافة في بلادنا، لا لأخيرهم كيف يجب أن تكون الصحافة في بلادهم. فالعمل الصحفي يعكس تاريخ وثقافة كلا البلدين.
وعند مغادرتي المملكة في الخامس من مايو اعتذرت لمغادرتي حيث ساقني الحنين للوطن للعودة سريعا ولسان حالي يقول (لنتواصل مرة ثانية تماما كما أقول لطلبتي في الجامعة عند نهاية المحاضرة).
بقلم: جون هارتمان
أستاذ الصحافة في جامعة سنترال ميتشيغن