ما انفك المجتمع الدولي يعمل باجتهاد لمساعدة العراق والتعجيل بشفائه وتأهيله بعد الغزو والاحتلال الأجنبيين.
ومع أن كلاً يعمل من أجل الحفاظ على مصالحه، والبعض الآخر للخروج من المأزق الذي تورط فيه، إلا أن المؤكد بأن الجميع يعمل لمعالجة مشكلات العراق والعمل على إعادته كياناً فاعلاً في الأسرة الدولية.
ولعل من أهم ما تحقق في هذا المجال هو وضع آلية دولية لمتابعة إصلاحات الوضع في العراق ومتابعتها، فتم استنباط إطار دولي، اتفق على تسميته ب(العهد الدولي للسلام والتنمية في العراق) وهذا الإطار هو عبارة عن خطة خمسية للسلام والتنمية في العراق، أطلقت في 3 مايو - أيار 2007 في شرم الشيخ، وقد تضمنت المبادرة طلبات والتزامات يفترض أن تنفذ متزامنة من الحكومات العراقية والأسرة الدولية؛ فبالنسبة للحكومات العراقية طُلِبَ منها العمل بجد وبصدق وبإخلاص على (جعل العراق دولة ديمقراطية فيدرالية موحدة تتمتع بالأمن والاستقرار يتساوى فيها مواطنوها بالحقوق والواجبات، وإنشاء اقتصاد قوي بِنَاءً على قواعد السوق الحر، ودمج العراق بفاعلية في المحيطين الإقليمي والدولي). وشددت الوثيقة التي تضمنتها المبادرة، أولويات التنمية في (المصالحة الوطنية وتحسين الأوضاع الأمنية والحكم الرشيد والإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية).
المبادرة اُعتمدت في مؤتمر شرم الشيخ، وأُعطيت الحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي وقتاً حتى عقد مؤتمر العهد الدولي الثاني بعد عام لتحقيق ما التزمت به وبخاصة إتمام المصالحة الوطنية على أساس معاملة العراقيين بصورة متساوية، مع تحقيق الأمن والاستقرار، مقابل تعهد الدول بإطفاء الديون العراقية التي تتجاوز 120 مليار دولار. وقد تعهدت دول الجوار العربية بإلغاء أكثر من ثلاثة أرباع الديون المستحقة لها إذا ما أنجزت حكومة المالكي المصالحة الوطنية التي تعتبرها دول الجوار أهم خطوة تؤكد صدق نوايا الذين يقودون العملية السياسية في العراق، وتحقيقها يزيح هماً كبيراً عن دول الجوار التي لا تريد أن تبارك (هضم حقوق نسبة كبيرة من العراقيين) لحساب أطراف أخرى، بداعي الانتقام وتنفيذاً لسياسات تصفية حسابات سابقة، ولهذا فإن إنجاز المصالحة الوطنية في العراق وبصورة حقيقية دون انتقاء أو إقصاء لأطراف عراقية فاعلة سيعجل بدعم دول الجوار لإعادة العراق إلى وضعه الطبيعي، وليس فقط في إطفاء الديون وإعادة فتح السفارات.
ولعل هذه الجزئية توضح ما تميز به الانعقاد الثاني ل(العهد الدولي) الذي تم يومي الأربعاء والخميس في استوكهولم في السويد والذي أظهر أن دول الجوار التي لم تمثل بوزراء خارجيتها أرادت توجيه رسالة للمالكي ورايس وكل من يطالبهم بإطفاء الديون وفتح السفارات بأن الالتزام الذي عقده نوري المالكي في شرم الشيخ لم يُنفذ، وهو عدم إتمام المصالحة الوطنية الحقيقية التي تعني ضم كافة الطوائف والقوى السياسية في حكومة وحدة وطنية حتى يعيد للعراق عافيته ويجعل كل العراقيين سواسية وليس فرض تسلط طائفة بعينها وتدليل طائفة أخرى على حساب حقوق طائفة ثالثة..!!
jaser@al-jazirah.com.sa