ها هو اتفاق الدوحة يأتي بعد مخاض عسير.. فأصبح للبنان رئيس بعد تأخر دام ستة أشهر، ولكن من الخير أن يأتي متأخراً من ألا يأتي أبداً. وانطبق قول الشاعر: |
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها |
فرجت وكنت أظنها لا تفرج |
وطويت صفحة الفراغ الرئاسي بانتخاب قائد الجيش ميشال سليمان الرئيس الثاني عشر للبلاد بعد أن حظي بشبه إجماع أعضاء مجلس النواب. فعاش اللبنانيون فرحتهم الكبرى التي تزامنت هذه الأيام مع ذكرى رحيل الاحتلال. وكشف الحشد الكبير من الممثلين العرب والأجانب الذين حضروا جلسة انتخاب الرئيس مدى الاهتمام العربي والدولي بهذا الاستحقاق. |
صحيح أن المعارضة حصلت على الثلث الضامن في حكومة الوحدة الوطنية المقبلة، إذ إن لها أحد عشر وزيراً مقابل ستة عشر وزيراً للأكثرية وثلاثة وزراء لرئيس الجمهورية التوافقي العماد ميشال سليمان. كما تحقق لها تقسيم بيروت انتخابياً بما يحقق مصالحها. وأيضاً إيجاد الحلول عن طريق التفاوض لا عن طريق البرلمان، مما يعتبر في عرف المراقبين نصراً سياسياً. لكن في المقابل لا يمكن تجاهل أن الأغلبية حصلت على التزامات بألا تستقيل الحكومة وألا يتم تعطيل عملها. والامتناع عن العودة إلى استخدام السلاح أو العنف لتحقيق مكاسب سياسية، وحضر اللجوء إلى الاحتكام للسلاح والعنف بما يضمن عدم الخروج عن عقد الشراكة الوطنية. وحصر السلطة الأمنية والعسكرية على اللبنانيين بما يشكل ضماناً لصيغة العيش المشترك. وأيضاً تطبيق القانون واحترام سيادة الدولة على المناطق كافة. وهذا هو جوهر الخلاف بين المعارضة والأكثرية على مدى السنة والعشرة شهور الماضية. |
الاتفاق ليس نهاية المطاف وإنما بداية مسيرة حوار صادق على مختلف القضايا التي هي محل خلاف. وبناء الثقة والمصداقية بين الأطراف اللبنانية، فلا إقصاء ولا إبعاد ولا تخوين ولا تصادم، بل تكامل وتعاون لما فيه مصلحة لبنان والحذر من الداخل والخارج. فالموقف السياسي في لبنان أكثر صعوبة من الموقف السياسي في بلد آخر، وذلك بسبب هذه التعددية الواسعة الموجودة بداخله، والذي يبلغ عددها ثماني عشرة طائفة. فلبنان لا تحكمه جماعة واحدة ولا عقيدة واحدة، بل هي دولة قائمة على التنوع هي لكل اللبنانيين. |
ليس مهماً ما قيل ويقال من أن اتفاق الدوحة بين الأطراف اللبنانية تزامن مع متغيرات جديدة طرأت على الساحة. وارتبطت بتدخلات خارجية من أجل حفظ التوازنات الإقليمية والدولية أدت إلى تهدئة الأوضاع في لبنان. بل المهم هو أن اتفاق الدوحة يجب أن يستمر، وأن تستمر الوساطة العربية عبر اللجنة الوزارية برئاسة الأمين العام للجامعة العربية من أجل ضمان الهيئات الدستورية اللبنانية ووحدة البلاد واستقرارها. إن فقه المرحلة يقتضي إحياء الوعي في صفوف اللبنانيين وطي صفحة الماضي، وتحكيم العقل من أجل مصلحة البلاد والعباد، فالعنف لا يولد إلا عنفاً، والدم لا يجر إلا دماً. وأن تستمر الوساطة العربية وبموافقة عربية لمعالجة الأزمة اللبنانية حتى نطلق مساراً سياسياً جديداً في لبنان. كما أن إيقاف التراشق الإعلامي والسياسي بين مختلف الأطراف مطلب مهم وهو ما نعلقه على وسائل الإعلام بعد أن ساهمت في شحن النفوس وإثارة نار الفتنة، فإن الحرب أولها كلام. |
|