بيروت - هناء حاج
..ولأن لبنان هي محور إعلامي وفني مهم في الوطن العربي، فقد أصابها الفترة (الطويلة) الماضية شللاً في أطرافها نتيجة الاحتقان السياسي الذي أصاب البلاد واستعدادها -سابقاً- لأي انفجار وشيك كان سيعصف بلبنان وأهلها أو كاد.
وخلال فترة الاحتقان فقد راهن كثيرون بأن البلاد تتجه من السيئ إلى الأسوأ ولذلك فضَّلت قنوات وبرامج إلى نقل استديوهاتها إلى دبي والقاهرة، وبعضها توقف قسراً، إضافة إلى أن كثيرين من الفنانين الخليجيين والعرب اعتذروا عن المشاركة في برامج كانت تنقل فعالياتها من بيروت، فيما بدأ فنانون وفنانات لبنان البحث الجدي عن أماكن يقيمون فيها وعائلاتهم، وهو الذي شرع فيه آخرون وسعوا إلى ذلك خلال الفترة الماضية بعيداً عن مناطق (الانفجار).
بيروت إعلامياً وفنياً بدت خلال الفترة الماضية وكأنها مدينة (أشباح) وطاردة لكل محبيها بسبب تزايد وتيرة اللهجة السياسية بين الفرقاء فيما كانت دبي والقاهرة على وجه الخصوص المستفيد الوحيد من هذا الهروب واحتضنتا كل ما كان (بيروتياً)، وعاشت ويدها على قلبها وهي ترى أبناءها والعرب (يهربون). واليوم وبعد أن نُزع فتيل الحرب فقد تبدل الحال من السالب إلى الموجب وعادت الأنظار (المحبة) إلى بلاد الأرز وكأن شيئاً لم يكن. بل إن لبنان هي البلد الوحيد الذي تلتئم جراحه باكراً ويتجاوز محنته في لحظات قياسية وهو يُعيد اليوم لبنان التي أحبها كل العرب، وعادت لبنان مجدداً بل الإعلام الحُر والفن الجميل.
الآن يحق لفناني وإعلاميي لبنان أن يتنفَّسوا (السلام) بعد أشهر طويلة من الحذر والترقب والنظرة السوداء للمستقبل، الآن يحق لهم جميعاً العودة إلى سابق عهدهم مؤكدين أن الإنسان دوماً أهم بكثير من السياسة ودهاليز أهلها.
من الواضح أن الناس في لبنان بشوق إلى عودة الحياة الطبيعية إلى ربوع البلد، خصوصاً منطقة القلب في الوسط التجاري. وبمجرد فتح الطرقات وعودة المطاعم والمقاهي إلى دورة الحياة العملية عاد الشباب والصبايا يتهافتون لحجز ركن في زاوية في أي مكان. فكيف الحال إذا كانت هيفاء وهبي ستطل عليهم في يوم سعيد مع عاصي الحلاني ليحتفلوا مع اللبنانيين في الوسط التجاري بعصر لبناني جديد في مناسبات متعددة: يوم التحرير ويوم انتخاب رئيس جديد ويوم افتتاح الوسط التجاري. ولكن هذه المرة كانت مختلفة؛ فكل الناس فرحوا بوجودها وتهافتوا على الحفلة التي نظمتها جمعية 11 آذار؛ لتعيد إحياء الوطن.
أكثر من 700 ألف شخص ازدحمت بهم ساحة الوسط التجاري، وأكثر من 20 ألفاً افترشوا مقاعد المقاهي متلاصقين، ولكنهم كلهم لم يتمكنوا من رؤية هيفاء وهي ترقص وتغني، خصوصاً قبل نهاية فقرتها؛ حيث أشعلت المفرقعات بعض الأزهار، واختنق من كان يقف في الصفوف الأولى؛ ما أدى إلى حالات كثيرة من الإغماء، ومنهم من لم يتمكن من مغادرة الساحة فأُصيب بضيق تنفس بسبب الزحمة. أما الأطفال الذين كانوا يتهافتون فرحاً عادوا ببكاء شديد.
وعلى الرغم من الفوضى العارمة التي عمّت الاحتفال وأدت إلى إلغاء الفنان عاصي الحلاني لفقرته إلا أن الناس كانوا مطمئنين، وبعضهم سهر على الأرصفة يتسامرون حتى ساعات الصباح الأولى، دون أن ينتبهوا إلى أن إشكالاً شخصياً تطور في منطقة أخرى، ولم يهتموا للأمر؛ فكل ما يهم الآن أن بيروت عادت إلى الحياة، بوصول جنرالها (العماد ميشال سليمان) الذي أضفى جواً من الراحة والطمأنينة على النفوس كافة.