هنا داخل الصدر جوف من مكنونات متراكمة... مترابطة... متداخلة...
عجينة كما يد الفرانة في غسق الليل تدمجها... كما تفعل يد الأيام...
أول يد تبث ذراها يد الوالدين...
ثم تمتد إليها أيدي الأقرب فالأقرب ومن ثم المعلمين...
حتى إذا ما واجهت هذه الصدور نور الحياة بإشعاعاته المتناثرة وزواياه العديدة وتياراته المتفاوتة...
كان أن نمت هذه العجينة بخميرتها... تكبر في داخل هذه الصدور مكنوناتها...
من يراهن على سلامة عجينة كانت ذات براءة بين يديه يذر طحينها في كف ليله...
وينام عنها حتى فجر استوائها؟
أي أفران يزج في داخلها هؤلاء عجين صدور أبنائهم...؟
حتى إذا ما استوى الرغيف فوق طاولة الحياة تشهى مسارب النور... أو تخفَّى في ظلماتها...؟
من يراهن على ما يفعل...؟ ما يقول...؟ ما يسلك...؟ ما يمثِّل...؟
أي رمزية ترسم تعاريج هذه العجينة...؟
وأي ألوان تخيرتم أن تكون أرغفة الصدور عليها...؟
كم بكى أب ضل ابنه حين وجده قد تاه في غيابة الغضب... والكراهية... والحقد... والظلم...؟
وحين يتأوه عليه حزناً... ينسى أنه من شكَّل هذه العجينة...
وكم تأسَّت أمٌ على ابنتها دلالها... واستهتارها وضياعها...؟
فلا قيمة لما تفعل... ولا ضابط لما تقول... ونسيت أنها من فتح النافذة للعجين فلم تخمر ولم تُعَد للنور...؟
وكم فوجئ مربٍّ بمكنون مظلم لتلميذه... وغفل عن دوره حين كان عليه أن يُعنى قليلاً بمكنون عجينته...
ما الذي يمكن أن يحقق إنسانٌ سويةٌ فيه عجينته...؟
سليمة من الطحالب... والخشاش... والسوس...؟... مستوية على تمام...؟
إلا أن يكون فاعلاً في حياته... إيجابياً في أفعاله... سوياً في سلوكه مع الآخر... سليمة خطواته... حكيمة مواقفه... طيبة نفسه... كريمة يده... عميقة دواخله... حصيفة مداركه...
يعيش في سلام مع الآخرين... يبذل ما استطاع حباً ومالاً وصفحاً وهوناً وكرماً...
لا ينافس إلا على حق... ولا يجادل في باطل... ولا يكره من أجل ذاته أحداً... ولا ينكر المعروف لغيره... لا تبيت سريرته على ضغينة... ولا يحيك في ليله شراك سوء لسواه... لأنه نشأ يدرك أن ما يفعله اليوم سيجده في انتظاره غداً... تلك عجينة في الصدور لا في السطور...
وما الذي يفعله إنسان لم يجد إناءً نظيفاً قد تلقى عجينته من الطحين والماء ففسدت...؟
يا لله من مسؤولية تلك التي تبدأ مع شهقة العصفور بين يدي أمه... وتنتهي عند صرخة المواقف على رصيف الحياة...
هنا بين الصدور عجينة من في غسق الليل يرعاها...؟
ومن في فجر النور يتلقاها...؟
فتشوا ما في صدوركم وادعوا لمن كانت بين يديه عجينة ما في داخلها...