فقد الوطن.. والمجتمع ومجلس الشورى.. وأسرة المالك.. يوم أمس الأول عالماً عاش في غير عصره.. وهو معالي الدكتور صالح بن عبدالله المالك رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.. وكان الفقيد مثل أقرانه في عصور النهضة الأولى يلم بكل أطراف المعرفة وقد عكس ذلك مؤلفاته في مختلف المجالات.. فهو فقيه ونحوي وعالم اجتماع وسياسي وشاعر ومحدث لبق.. وهذا النوع من الرجال يتسابق القوم عند وجوده في مناسبة أو محفل للجلوس بجانبه.. وأتذكر أنني أحد المزاحمين للحصول على الفائدة من محادثة أبي هشام.. فإما أن تخرج بفائدة فقهية أو لغوية أو معلومة تاريخية أو يدس في يدك ورقة بها بعض الأبيات من شعره حول موضوع من مواضيع الساعة المتداولة ثم تبحث عن هذه القصية منشورة في الصحف فلا تجدها لأن قصده ليس الظهور كما يفعل معظم الشعراء.. وإنما همه أن يقرأ شعره نخبة محدودة من أصدقائه وأن يسمع منهم رأيهم بصراحة في تلك الأبيات.. وإذا لم تحصل على أي شيء مما ذكرت فلن ترجع بخفي حنين وإنما ستسمع نكتة راقية بلغة عربية سليمة.
وفي جلسة (آل المالك) الخميسية يتحلق الناس حول ذلك الشخص المتواضع في مظهره وحديثه حتى يسأل من لا يعرفه لماذا يقبل الناس على هذا الرجل.. الجواب معروف وهو أن الله إذا أحب عبده حبب الناس فيه وقربهم منه ونسأل الله أن يكون هو من أولئك.. ولا نزكي على الله أحداً.
وفي مجلس الشورى.. يحدثنا زملاء الفقيد عن علمه ولطفه وظرفه وعن إدارته لدفة الأمانة العامة للمجلس بحكمة.. ويذكر هؤلاء أيضاً دفاعه القوي عند الاجتماع بالوفود التي تزور المجلس عن مواقف المملكة وقضاياها ويأتي ذلك الدفاع مدعوماً بخبرته حول طبيعة عمل البرلمانات العربية والدولية بثقافته وحجته القوية.. كما أن جهوده في تطوير العمل الإداري في الأمانة كان واضحاً.
رحم الله فقيدنا تعزية خاصة لشقيقه الدكتور أحمد بن عبدالله المالك وابنه هشام وإخوته وأخواته ولأسرة المالك عموماً ولأصدقائه الكثر.. وستظل عبارته التي يقولوها عند إعلان نتائج التصويت ترن في آذاننا جميعاً (القائلون بنعم ثمانون والقائلون بلا سبعون).. ولا نقول إلا { إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.